أعناق الرجال، مع ما هم فيه من حسن الحال؛ لأنهم لا يَدرُون بماذا يُختَم لهم.
٩ - (ومنها): أن عموم مثل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ} الآية [النحل: ٩٧] مخصوص بمن مات على ذلك، وأن من عمل السعادة، وختم له بالشقاء، فهو في طول عمره عند الله شقي وبالعكس، وما ورد مما يخالفه يُؤَوَّلُ إلى أن يَؤُولَ إلى هذا، وقد اشتهر الخلاف في ذلك بين الأشعرية والحنفية، وتمسك الأشاعرة بمثل هذا الحديث، وتمسك الحنفية بمثل قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} الآية [الرعد: ٣٩]، وأكثرَ كلٌّ من الفريقين الاحتجاجَ لقوله، والحق أن النزاع لفظيٌّ، وأن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل، وأن الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل، ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة، والموكلين بالآدمي، فيقع فيه المحو والإثبات، كالزيادة في العمر والنقص، وأما ما في علم الله، فلا محو فيه ولا إثبات، والعلم عند الله تعالى.
١٠ - (ومنها): أن فيه التنبيهَ على صدق البعث بعد الموت؛ لأن من قَدَرَ على خلق الشخص من ماء مهين، ثم نقله إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم ينفخ الروح فيه، قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابا، ويجمع أجزاءه بعد أن يفرقها، ولقد كان قادرًا على أن يخلقه دفعة واحدة، ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الأطوار رِفْقًا بالأم؛ لأنها لم تكن معتادة، فكانت المشقة تعظم عليها، فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل، ومن تأمل أصل خلقه من نطفة، وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار إنسانا جميل الصورة، مُفَضّلًا بالعقل والفهم والنطق، كان حقّا عليه أن يشكر من أنشأه، وهيأه، ويعبده حَقَّ عبادته، ويطيعه ولا يعصيه.
١١ - (ومنها): أن فيه أن في تقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق، فالسابق ما في علم الله تعالى، واللاحق ما يُقَدَّر على الجنين في بطن أمه، كما وقع في هذا الحديث، وهذا هو الذي يَقبَل النسخ، وأما ما وقع في "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن عمر