وأما إن كانت تريد الله والدار الآخرة، وتريد التعبير السيميائي الصادق عن مقاصد التعبد، ورفع راية الانتماء العقدي للإسلام بريش اللباس؛ فإنما يجزئها على العموم جلباب واسع ساتر، هادئ اللون، لا يصف ولا يشف، ولا يخطف الأنظار من بعيد بألوانه وبريقه، كما سيأتي بدليله بحول الله في متن هذه الرسالة. وذلك معنى قول الفقهاء:(ولا يكون زينة في نفسه). وخمار على وزانه وشرطه، هدوءا وسكينة مما ذكرناه، لا تشتعل ألوانه، ولا تخلله صاحبته بذهب، ولا بما يلمع من الحلي والخلالات، ولا تضفر طرفَيْه على جبينها، بصورة الضفيرة من الشعر، كما يفعله بعضهن من تشكيله وتزيينه؛ حتى ليكاد يصرخ في الملأ بمنظره وبريقه: ها أنا ذي انظروني! ولكنه خمارٌ ضافٍ وافٍ، شاسعٌ كافٍ، يضرب على جيوب العنق والنحر، ويغطي هيأة الصدر. ولا تعقده صاحبته على رأسها من جهة القفا؛ بما يظهر هيأة الشعر وحجمه، كما يفعله بعض الجاهلات من المتحجبات! ولا يشترط فيه أن يغطي الوجه. وإن كان ذلك من كمال الورع، كما سيأتي بيانه.
ثم جوارب للقدمين في غير لون الجسم البشري؛ حتى لا توهم العري الجزئي، ولا الرغبة الخفية في إظهار الزينة. وتكون الفتاة المؤمنة بذلك على أكمل ما تكون العفة الظاهرة (١). وعليها آنئذ أن تجاهد نفسها في الله للرقي بكمالات العفة الباطنة، وإنما الموفقة من وفقها الله.
إن أغلب ما يلبسه كثير من المَوْسُومَات بـ (المتحجبات) في هذا الزمان الرديء؛ لم يكن -في خصائصه العامة- إلا ألبسة داخلية لدى نساء السلف الصالح -كما سترين بدليله بحول الله- فما بالك بالعاريات من المتبرجات والمتمجنات؟
فانظري بنيتي أي هوة تفصل بيننا وبين قيمنا الحقيقية؟
(١) انظري ذلك مفصلا بأدلته في المبحث الثاني من الفصل الثاني (التأصيل الفقهي لسيماء الصورة في الإسلام).