للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عرضهم على آدم، فقال: أي رب! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك! فرأى رجلا منهم أعجبه نور ما بين عينيه، فقال: أي رب! من هذا؟ ... إلخ) فما كان ذلك ليكون؛ لو لم تكن الأنفس صورا أظهرها الله تعالى لآدم -عليه السلام- فأراه إياها بما شاء وكما شاء. فدل ذلك كله على وجود النفس مستقلة عن البدن، ودل أيضا على أن لها صورة غير جسمانية، ذات سيماء خاصة.

ومن النصوص العجيبة الدالة على ذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد!) (١) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن النفس المخلوقة لكائنة) (٢).

وقد نجم عن هذه النصوص إشكال بين علماء الإسلام فيمَ خُلِقَ أولا: النفس أم البدن؟ وذلك نظرا لما دلت عليه ظواهرها من مخاطبة الأنفس في استقلال عن الأبدان، ومن إبصار بعضها لبعض في عالم الأرواح. وهذا خلاف نقله الإمام الرباني ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى. قال في شفاء العليل: (وكذلك في خلق الأرواح قبل الأجساد قولان معروفان) (٣). فقد كان شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى من أبرز القائلين بسبق الجسم على النفس. بينما كان قبله الإمام ابن حزم الظاهري الأندلسي من القائلين بسبق النفس على البدن؛ انسجاما مع ظاهريته. وذلك ما نقله ابن القيم مفصلا في كتاب الروح قال: (وقالت طائفة أخرى منهم ابن حزم مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها. وقال: والذي نقول به في مستقر


(١) رواه أبو نعيم في الحلية عن ميسرة الفجر، ورواه ابن سعد عن أبي الجدعاء، وابن حبان عن ابن عباس. وصححه الألباني. انظر حديث رقم: ٤٥٨١ في صحيح الجامع.
(٢) رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت مرفوعا. وصححه الألباني. انظر حديث رقم: ١٩٨٥ في صحيح الجامع.
(٣) شفاء العليل لابن القيم:١/ ٢٩٤.

<<  <   >  >>