للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأرواح، هو ما قاله الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم، لا نتعداه. فهو البرهان الواضح، وهو أن الله عز وجل قال: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين". وقال تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (الأعراف:١١). فصح أن الله تعالى خلق الأرواح جملة، وكذلك أخبر أن "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" (١) وأخذ الله عهدها وشهادتها له بالربوبية، وهي مخلوقة مصورة عاقلة، قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم، وقبل أن يدخلها في الأجساد. والأجساد يومئذ تراب وماء! ثم أقرها حيث شاء. وهو البرزخ، الذي ترجع إليه عند الموت. ثم لا يزال يبعث منها الجملة بعد الجملة، فينفخها في الأجساد المتولدة من المني. إلى أن قال: فصح أن الأرواح أجساد حاملة لأغراضها من التعارف والتناكر، وأنها عارفة مميزة، فيبلوهم الله في الدنيا كما يشاء، ثم يتوفاها، فيرجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ أسري به عند سماء الدنيا، أرواح أهل السعادة عن يمين آدم، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره. وذلك عند منقطع العناصر، ويعجل أرواح الأنبياء والشهداء إلى الجنة. قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه، قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم. قال ابن حزم: وهو قول جميع أهل الإسلام) (٢).

إلا أن ابن القيم رحمه الله رد ذلك كله، وذهب إلى ما ذهب إليه أستاذه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في كتابه القيم "أحكام أهل الذمة": (والذين قالوا إن الأرواح خلقت قبل الأجساد ليس معهم نص من كتاب الله ولا سنة رسوله. وغاية ما معهم قوله: "وإذ أخذ ربك من بني آدم" الآية. وقد عُلِم أنها


(١) رواه البخاري عن عائشة ورواه مسلم عن أبي هريرة.
(٢) الروح لابن القيم:٩١ - ٩٢.

<<  <   >  >>