فطرّا حال من الكاف فى عنكم وهو مجرور بعن. فإن قلت فد فهم من تخصيصه المنع بالمجرور أن ما عدا المجرور بالحرف وهو المرفوع والمنصوب والمجرور بالإضافة لا يمتنع أن يسبقه الحال. أما المرفوع والمنصوب فلا إشكال فى جواز تقديم الحال عليهما نحو جاء ضاحكا زيد وضربت منطلقة هندا وأما المجرور بالإضافة فقد حكى الإجماع على منع جواز تقديم الحال عليه. قلت هذا المفهوم معطل وإنما خص المجرور بالحرف لأنها هى المسألة التى تعرض النحويون لذكرها فى كتبهم والخلاف فيها مشهور وممن أجاز تقديم الحال فيها على صاحبها الفارسى وابن كيسان وابن برهان ولا يقتضى قوله ولا أمنعه انفراده بالجواز بل هو غير مانع له ويكون فى ذلك تابعا لغيره. وسبق حال مفعول مقدم بأبوا وهو مصدر مضاف إلى الفاعل وما مفعول بسبق وهى واقعة على صاحب الحال والضمير فى أبوا عائد على النحويين وظاهره أنه عائد على جميعهم وليس كذلك، لما تقدم من أن بعضهم أجازه فوجب إعادته على الأكثرين والهاء فى أمنعه عائدة على سبق. ثم قال:
ولا تجز حالا من المضاف له ... إلّا إذا اقتضى المضاف عمله
أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
يعنى أن صاحب الحال لا يكون مضافا إليه إلا فى ثلاثة مواضع: الأول أن يقتضى المضاف العمل فى الحال ومعناه أن يكون جاريا مجرى الفعل فى كونه مصدرا أو اسم فاعل كقوله تعالى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً [المائدة:
١٠٥] ومثله قوله أعجبنى ضرب هند قائمة وأنا ضارب هند قاعدة فضرب وضارب يقتضيان العمل فى الحال لأن الحال لا يعمل فيها إلا فعل أو ما فى معناه. الثانى أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه كقوله عز وجل: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً [الحجر: ٤٧] فالصدور بعض ما أضيف إليه.
الثالث: أن يكون المضاف مثل جزء المضاف له فى صحة الاستغناء به عن الأول كقوله عز وجل: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [النحل: ١٢٣] لصحة اتبع إبراهيم فلو كان المضاف إليه غير ما ذكر لم يجز إتيان الحال منه نحو جاء غلام هند قائمة وإنما جاز ذلك فى المواضع المذكورة دون غيرها بناء على أن الحال لا يعمل فيها إلا الفعل أو ما فى معناه وأن العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها فإذا كان المضاف مصدرا أو اسم فاعل فلا إشكال فى أنه هو العامل فى صاحب الحال وفى الحال معا وإذا كان المضاف بعض المضاف إليه أو مثل بعضه صار الأول ملغى لصحة الاستغناء عنه وصار العامل فى التقدير عاملا فى المضاف إليه فالهاء