للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما كان الأصل فى الخبر أن يتأخر عن المبتدأ لأنه وصف له فى المعنى وحق الوصف أن يكون متأخرا عن الموصوف والخبر بالنسبة إلى تقديمه على المبتدأ وتأخيره عنه على ثلاثة أقسام: الأول جواز تقديمه وهو المشار إليه بقوله: (وجوزوا التقديم) وقوله: (إذ لا ضررا) أى إن لم يعرض عارض يمنع من تقديمه كما سيأتى،

ومن تقديم الخبر على المبتدأ جوازا قولهم تميمى أنا ومشنوء من يشنؤك. الثانى وجوب تأخيره وذلك فى خمسة مواضع: الأول أن يستوى المبتدأ والخبر فى التعريف أو التنكير وهو المشار إليه بقوله: (فامنعه حين يستوى الجزءان * عرفا ونكرا) فمثال استوائهما فى التعريف زيد أخوك ومثال استوائهما فى التنكير أفضل منى أفضل منك، وقوله: (عادمى بيان) يعنى أنه لا يمتنع تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا متساويين فى التعريف أو التنكير إلا مع عدم البيان كالمثالين المذكورين وفهم منه أنه إذا كان فى الكلام ما يبين المبتدأ من الخبر جاز تقديم الخبر على المبتدأ نحو أبو حنيفة أبو يوسف فأبو حنيفة خبر مقدم وأبو يوسف مبتدأ مؤخر، وعلم ذلك من أن أبا يوسف هو المشبه بأبى حنيفة فهو المبتدأ، ومن ذلك قول الشاعر:

- بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد (٢٦)

فبنونا خبر مقدم لأن المعنى تشبيه أبناء البنين بالبنين. الموضع الثانى أن يكون فعلا مسندا إلى ضمير المبتدأ مع كون المبتدأ مفردا وهو المشار إليه بقوله: (كذا إذا ما الفعل كان الخبرا)، يعنى أنه يمتنع أيضا تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان فعلا فأطلق وهو مقيد بما تقدم فإنه لا يمتنع تقديمه فى نحو الزيدان قاما وزيد قام أبوه وإنما يمتنع تقديمه فى نحو زيد قام وهند قامت.

الموضع الثالث أن يكون الخبر محصورا بإلا أو بإنما وهو المشار إليه بقوله: (أو قصد استعماله منحصرا) مثاله ما زيد إلا قائم وإنما زيد قائم. الموضع الرابع أن يكون الخبر مسندا لمبتدأ مقرون بلام الابتداء وهو المشار إليه بقوله: (أو كان مسندا لذى لام ابتدا) يعنى أنه يمتنع تقديم الخبر إذا كان مسندا لمبتدأ ذى لام ابتداء نحو لزيد قائم. الموضع الخامس أن يكون مسندا


(٢٦) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى خزانة الأدب ١/ ٤٤٤، وبلا نسبة فى الإنصاف ١/ ٦٦، وأوضح المسالك ١/ ١٠٦، وتخليص الشواهد ص ١٩٨، والحيوان ١/ ٣٤٦، والدرر ٢/ ٢٤، وشرح الأشمونى ١/ ٩٩، وشرح التصريح ١/ ١٧٣، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٨٤٨، وشرح ابن عقيل ص ١١٩، وشرح المفصل ١/ ٩٩، ٩/ ١٣٢، ومغنى اللبيب ٢/ ٤٥٢، وهمع الهوامع ١/ ١٠٢.
والشاهد فيه قوله: «بنونا بنو أبنائنا» حيث جاز تقديم الخبر على المبتدأ مع مساواتهما فى التعريف، لأجل القرينة المعنوية لأن الخبر هو محط الفائدة، فما يكون فيه التشبيه الذى تذكر الجملة لأجله، فهو الخبر، وهو قوله:
«بنونا» إذ المعنى أن بنى أبنائنا مثل بنينا، لا أن بنينا مثل بنى أبنائنا.

<<  <   >  >>