للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا الوازع، وربما انطفأت شُعلته من نفسه، فإذا لم تتداركه العناية الِإلهية كان من الخاسرين والعياذ بالله تعالى.

وثالثها: أنَّ شاهد الزور يُحسّ بخذلانه بين قومه وذويه ويفقد الثقة منهم، وكفى بذلك خُسرانًا مبينًا. فإنَّ الثقة بين الناس عليها مدار حياتهم، وتبادل المنفعة فيما بينهم، وطالما رأينا أُناسًا لا مال عندهم ولا رياش (١) ولكن ما للناس فيهم من الثقة أغناهم عن الغنى وبسط لهم يد الميسرة والنفوذ، فهم أغنياء أعزَّاء وإنْ كانوا في هيئة الفقراء والبؤساء.

ورابعها: أنَّه يكون في نفسه مَهينًا محتقرًا وفي أعينُ الناس أشدُّ إهانة واحتقارًا وهذا أمر محسوس ومعروف حتى أن أشد الناس احتقارًا لشاهد الزور من شهد لأجله. وقد أشار إلى هذا المعنى الِإمام الحكيم أبو محمَّد علي ابن حزم الأندلسي في كتابه "الأخلاق والسِّيَر" بقوله (٢): (أول من يزهد في الغادر من غَدر له الغادر، وأول من يمقت شاهد الزور من شَهد له به).

وخامسها: أنَّ شاهد الزور يكون جُرثومة من جراثيم الفساد في


= إحدى المحاكمات في عكا ولما طُلب إليهما حَلِف اليمين على الكتاب الكريم -وكانا شاهديْ زور قَبَضا مالًا على ذلك- تقدم أحدهما وكان مُسنًا فلم يكد يرفع يده حتى ارتعش جسمه وتلجلج لسانه وقال: (أقسم بأني تناولت من فلان ٣٠ ريالاً أجرة شهادة زور طلب إليَّ تأديتها وهذه هي الحقيقة)، فدُهشتْ هيأة المحكمة لذلك ثم أخرجته وطلبت رفيقه وكان شابًا فأراد أن يؤدي الشهادة زورًا
كما تلقنها فسقط مغشيًا عليه ثم نطق بالحقيقة، اهـ. [م].
(١) الرياش: الحسن الفاخر من الأثاث والملبس.
(٢) ص ٩٨، طبعة دار ابن حزم - بيروت.

<<  <   >  >>