قد يخيَّل للِإنسان أنَّ شاهد الزور إنما هو الذي يقف أمام المحكمة، ويقول في قضية ما غير الحق سلبًا أو إيجابًا.
تُرى هل انحصرت هذه الرذيلة في مثل ذلك الِإنسان المسلوب الوجدان؟ اللَّهم لا، وإذًا لانحصر ضررها ولم يتطاير شررها، ولكن الخطب أعمُّ والمصيبة أجَلُّ لسريان هذه العلة القتَّالة إلى مجموع الأمة من مصدر أخلاقي قلَّ أن يخلو عنه إنسانُ يعد في الناس.
لا جَرَم أنَّه يمازجه أحيانًا شيء من إرادة الخير أو تخفيف الشر وهو القليل النادر، وأنتَ ترى أنَّ تلك العاطفة لاتصح هدرًا عن هاتيك المخالفة. أما الغالب الشائع أنْ يتجرَّد عن مثل هذه الِإرادة، فما هو إلاَّ تنافس في باطل أو عناد لمناظر أو جَرٌّ لمغنم أو دفعٌ لمغرم أو غيرها من دنيء الأغراض، يدوسُ مبتغيها الحقَّ والصدق ليدركها، وما أدراكَ ما أدرك! ثم ما أدراكَ ما أدرك! حِطَّة في نفسه وخذلانًا في أُمته وذلك هو الخسران المبين.
لعلَّك تبيَّنت من الوصف المتقدَّم أنَّه ينضوي تحت هذا النوع من شهداء الزور أهل الدواوين والوجهاء، بل وذوو الحيثية من السوقة الذين يؤدون الشهادات الخطية بالمعاريض الخاصة أو العامة في حق خَادم غير أمين من خدام الأمة أو عامل غير صالح من عمال الحكومة أو بالعكس.
وناهيكَ بالأضرار الجسيمة والمفاسد العميمة التي تترتب على ذلك بحيث يتضاءل في جنبها كل ما يترتب على شهادة الزور في الدعاوى الخاصة من الضرر الخاص مهما كان عظيمًا.