للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبعتم أنفسكم بالدينار والدرهم، الذي آخر الأول نار وآخر الثاني هم. فلما اتَّبعتم أهواءكم، وتبعتم أراذلكم ونساءكم وصغاركم وسفهاءكم؛ فَسَدت بها بتقدير الله جميع الأحوال، ورفعت البركة من

الأموال، وحُجِبتْ القلوب عن سماع المواعظ، فلم يؤثر فيها كلام حكيم ولا وعظ واعظ؛ فنعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق في السرِّ والِإعلان.

فسارعوا عباد الله لدخول حرز التوبة، وأقلعوا عن كل زلّة وحَوْبة، فعسى تنالوا إن شاء الله قُربة؛ لأنَّ التوبة تطهِّر العبد من قبائح سيِّئاته، ويكتسب بها في أعلا الفردوس جزيل هباته، فيصير بعد البعد قريبًا، وبعد الهجر حبيبًا.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له" (١).

ومبدؤها الصبر عن المعاصي، ونهايتها اتباع سُنَّة شفيع الخلق من الداني والقاصي، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠]، وقال في فضل اتِّباع سُنَّة نبته وحبيبه عليه الصلاة والسلام:

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١].

فإنكم إن امتثلتم أمر ربكم، واستغفرتموه من جميع ما سَلَف من مخالفتكم وقُبح ذنبكم، واتَّبعتم سُنَّة نبيّكم، وأحببتم بعضكم؛ نَفَس عنكم


(١) قال الحافظ العراقي في "تخريج الِإحياء" (٤/ ٥): "لم أجده بهذا اللفظ".

<<  <   >  >>