يقبل قوله إلا ببينة تقوم على هلاكه، فإن لم يكن له بينة-: له تحليف الغرماء؛ أنهم لا يعلمون تلف ماله.
وإن ادعى الإعسار- نُظر: إن لزمه ذلك الدين بعوض من ابتياع أو استقراض-: لا يقبل قوله، إلا ببينة تقوم على هلاكه، فإن لم يكن له بينة-: له تحليف الغرماء؛ أنهم لا يعلمون إعساره، وإن لزمه بغير عوض من ضمان أو أرش جناية أو صداق امرأة-: يقبل قوله؛ أنه معسر، ويحلف عليه، فإن كانت البينة على إعساره-: تسمع.
ويشترط أن تكون البينة من أهل الخبرة الباطنة؛ لأنه قد يكون له مال في الباطن ولا يعرف حاله إلا أهل الخبرة: يشهدون أنه معسر لا يملك إلا ثياب بدنه وقوت يومه، ولا يشترط أن يقولوا: هو من أهل الصدقة، ولو قالوا، لا يضر.
وقال مالك- رحمة الله عليه-: لا تسمع الشهادة على الإعسار؛ لأنه شهادة على النفي.
قلنا: الشهادة على النفي، إنما لا تسمع إذا لم يغلب على الظن صدق الشهود، فإن غلب يسمع؛ كما إذا شهد أنه وارث فلان لا يعرف له وارثاً سواه، فإذا أقام البينة على الإعسار، هل يحلف مع البينة؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يحلف وجوباً بعد إقامة البينة؛ كما إذا ادعى ملكاً، وأقام بينة: لا يحلف معها، ولو حلف احتياطاً استحساناً-: يجوز، إذا قال صاحب الحق: إنه يعلم إعساري.
والثاني- وهو الأصح-: يحلف؛ لأنه يجوز أن يكون له مال في الباطن لا يطلع عليه الشهود، فإن لم يكن له بينة، ولم يحلف على إعساره أو أقام بينة، وقلنا: يحلف معها وجوباً، فلم يحلف-: حُبِس.
وإن قلنا: لا يحلف مع البينة، أو قلنا: يحلف فحلف-: يخلَّى سبيله، وإذا خلينا سبيله-: لم يكن للغرماء ملازمته؛ لأنه لا يعامله الناس مع ملازمته الغرماء-: فلا يحصل له ما يؤدي ديونه.
وعند أبي حنيفة- رحمة الله عليه-: للغرماء ملازمته.
وعنه رواية أخرى: أنه بعدما أقام البينة على الإعسار أو هلاك المال-: يحبس شهراً.
ومنهم من يقول: يحبس حتى يضجر، فيظهر مالاً إن كان له، والله يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]؛ أمر بإنظار المعسر؛ فدل أنه لا يجوز ملازمته ولا حبسه.
وعندنا: إذا لم تقم البينة على إعساره، وحلف الغرماء أنهم لا يعلمون إعساره،