وحبسناه-: فلا غاية لحبسه أكثر من انكشاف حاله عند الحاكم، ولا يغفل عن المساءلة عن حاله في الحبس، فادعى بعد الحبس أنه قد صح عند الغرماء إعساري-: له تحليفه ثانياً، وثالثاً، هكذا حتى يمضي زمان، وإذا خلَّى سبيله، هل ينفك الحجر عنه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا ينفكُّ عنه؛ لأنه كان سبب المال، وظهر أن لا مال له.
والثاني: لا ينفك حتى يرفعه الحاكم الذي حجر عليه، فإذا قلنا: ينفك إذا استفاد مالاً له أن يتصرف ما لم يحدث الحاكم عليه حجراً.
فإن قلنا: لا ينفك- فليس له أن يتصرف بما يستفيد، فلو ادعى الغرماء بعدما خلى سبيله: أنه قد استفاد مالاً- سُئل-: فإن أنكر، فالقول قوله مع يمينه، وعلى الغرماء إقامة البينة.
ولو شهد شاهدان؛ أنا رأينا في يده مالاً يتصرف فيه-: أخذ ذلك الغرماء، وإن أقر بأنهم رأوا مالاً في يده أو شهد عليه الشهود، فقال: إنه لفلان أخذته مضاربة أو ادعيته-: كان لفلان إذا ادعاه، ولا حق للغرماء فيه، وإن أنكر فلان: أن يكون له-: صرف إلى الغرماء، وإن قال: هو لفلان الغائب-: وقف حتى يحضر فلان، فإن ادعاه له؛ وإلا صُرف إلى الغرماء، وهل يحبس الأبوان بدين الولد؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا يحبسان بشيء من ديون الولد؛ نفقة كانت أو غيرها؛ لأن الحبس عقوبة، ولا يتعاقب الوالد بالولد.
والثاني: يحبس؛ لأنه يجب عليه الأداء، ويؤمر أن يعمل، ويكتسب نفقته.
وقال أبو حنيفة: لا يحبس إلا في نفقة الولد، إن كان صغيراً أو زمناً.
فصلٌ في سفر المديون
إذا أراد المديون السفر- نظر: إن كان الدَّين حالاً- فلرب الدَّين منعه حتى يقضي الدين، وإن كان الدين مؤجلاً- نظر: إن كان السفر مخوفاً- لم يكن له منعه، ولا مطالبته برهن ولا كفيل، وإن لم يكن بقي من الأجل إلا قليل، ويتحقق انقضاؤه قبل عوده؛ لأنه ضيَّع حظ نفسه، حيث أجَّل، ولم يشترط رهناً ولا كفيلاً.
وقال مالك- رحمة الله عليه-: إن كان يعلم حلول الأجل قبل رجوعه- له منعه حتى يعطيه كفيلاً، وإن كان السفر مخوفاً من جهاد أو ركوب بخر، فهل لرب الدَّين منعه؟ فيه وجهان:
أصحهما: ليس له منعه؛ لأنه لا يملك المطالبة به في الحال.
والثاني: له منعه؛ لأن الغالب من أمر هذا السفر الهلاك؛ فيضيع حق صاحب الحق.
وقيل: في السفر المخوف: إن لم يخلف وفاء- له منعه، وإن نخلف- فوجهان.