ولا يشترط اتفاق الدين في سبب الوجوب بعد أن كانا مستقرين حتى لو كان أحدهما ثمناً أو أجرة، والآخر قرضاً أو بدل إتلاف-: تصح الحوالة.
وأما ما ليس بمستقر كالمسلم فيه، ومال الكتابة-: لا يجوز الحوالة به؛ ولا عليه؛ كما لا يجوز الاعتياض عنه.
واختلف أصحابنا في جنس المال الذي يجوز الحوالة به:
منهم من قال: لا تجوز إلا بما له مثل؛ كالأثمان والحبوب وما أشبهها؛ لأن المقصود من الحوالة: إيصال الغريم إلى حقه على الوفاء من غير زيادة، ولا نقصان، ولا يمكن ذلك إلا فيما له مثل.
ومنهم من قال- وهو الأصح-: يجوز بكل ما يثبت في الذمة بعقد السلم؛ كالثياب والحيوان، كما يجوز الاعتياض عنها.
ولا تجوز إلا بمال معلوم وهل تجوز بإبل الدية؛ مثل إن أوضح رأس إنسان عمداً، والمجني عليه أوضح رأس آخر، أو قلع سنة عمداً، ثم الجاني الثاني أحال المجني عليه على الجاني الأول؟ فيه قولان؛ بناءً على جواز المصالحة عنهما:
أصحهما: لا تجوز؛ لأنها مجهولة الصفات.
والثاني: تجوز، لأنها معلومة الأسنان.
والحوالة معاوضة، أما استيفاء؟ خرجه ابن سريج على قولين:
أحدهما: معاوضة؛ فكأن المحيل باع ماله في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته.
والثاني: استيفاء؛ كأن المحتال استوفى حقه من المحيل، وأقرضه من المحال عليه.
ويشترط لصحة الحوالة رضا المحيل والمحتال؛ لأن للمحيل أن يؤدي الدين من حيث شاء، والمحتال حقه في ذمة المحيل؛ فلا يجوز له نقله إلى ذمة الغير، إلا برضاه، ولأن الذمم مختلفة؛ كما لو أراد أن يعطيه عيناً من غير جنس حقه، وهل يشترط رضا المحال عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما- وبه قال أبو حنيفة-: يشترط؛ لأنه آخذ ممن تتم به الحوالة؛ كالمحيل والمحتال.
والثاني: لا يشترط، وهو الأصح؛ لأنه متصرف فيه؛ كمن باع عبداً بشرط رضا البائع والمشتري.