والصحيح: الفرق بينهما، وهو أنه لا يجب الدفع إلى الوكيل، ويجب إلى الوارث؛ لأن بزعمه يقع اليأس من عود الميت وانتقال الملك إلى الوارث، ولم يقع اليأس من حضور الموكل، وإنكاره وكالته.
ولو قال: مات فلان، وله عندي كذا، وهذا وصيه: فهو كما لو قال: هذا وارثه: يلزمه الدفع إليه؛ على الأصح.
ولو جاء رجل وقال: أحالني صاحب الحق عليك، فصدقه: هل يلزمه الدفع إليه؟ فيه وجهان:
أصحهما: يلزمه؛ لأنه أقر بانتقال الحق إليه؛ كالوارث.
والثاني: لا يلزمه، لأنه ربما ينكر صاحب الحوالة؛ كالموكل، ينكر الوكالة.
وعند أبي حنيفة- رحمة الله عليه-: يجب الدفع إلى الوكيل، إن كان ديناً، وإن كان عيناً: فلا يجب؛ لأن في الدين: أقر بثبوت المطالبة له في ماله، وفي العين: يقر في مال الغير؛ فلا يقبل، وقال: لا يجب الدفع إلى الوصي، ديناً كان أو عيناً، ويجب إلى الوارث.
قال الشيخ: إذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي، أو دفع بنفسه، وصدقه، ثم بان المالك حياً، وغرم الدافع: له أن يرجع على المدفوع إليه؛ بخلاف الوكيل: لا يرجع إليه الدافع؛ لأنه صدقه على الوكالة، وإنكار رب المال لا يرفع تصديقه حقيقة؛ لأنه يحتمل أنه وكله ثم أنكر، وههنا: ظهور المالك حياً يرفع تصديقه حقيقة، والحوالة كالوكالة.
فأما إذا أنكر المطلوب منه الحق، أو الوكالة- نُظر: إن كان الوكيل مأذوناً في إقامة البينة، أو جوزنا له إقامة البينة عند إطلاق التوكيل، فأقامها: يجب على المطلوب منه تسليم المال إليه، فإن لم يكن للوكيل بينة، هل له تحليف المطلوب منه أم لا؟ هذا يبنى على أنه لو صدقه هل يجب تسليم المال إليه؟
إن قلنا: يجب: فله تحليفه، لعله يخاف من اليمين، فيصدقه.
وإن قلنا: لا يجب: فهذا يبنى على أن النكول ورد اليمين بمنزلة إقامة البينة من المدعي أم بمنزلة الإقرار من المدعى عليه؟
إن قلنا: بمنزلة الإقرار: ليس له تحليفه.
وإن قلنا: بمنزلة البينة: له تحليفه رجاء أن ينكل؛ فيحلف الوكيل ويأخذ المال.