وفيه وجه ثالث: أن ما كان الإقرار به كإيقاعه؛ مثل؛ أن يقول: طلقت أو أعتقت أو أبرأت أو عفوت: يقبل قوله، وما لا يتم به وحده؛ كالبيع، وقبض الثمن، ودفع المال إلى فلان: لا يقبل قوله إلا ببينة، أو أكذبه الموكل، وعلى هذا: لو وكله باستيفاء دينه، فقال: استوفيت، وأنكر الموكل: لا يقبل قول الوكيل على الأصح.
وعند أبي حنيفة- رحمه الله- القول قول الوكيل في جميع ذلك إلا في النكاح؛ فإن الوكيل إذا قال: فعلت، وأنكر الموكل: فالقول قول الموكل؛ لأن النكاح لا يُعقد إلا بشاهدين.
فصلٌ [فيما لو وكل يُقبض الدين]
إذا كان له على رجل دين، أو في يده عين، فوكل رجلاً بقبضه، فجاء الوكيل- نُظر: إن صدقه المطلوب منه، ودفع إليه- جاز، ثم إذا حضر الموكل، فأنكر التوكيل-: فالقول قوله مع يمينه؛ أنه لم يوكله، فإذا حلف: فإن كان ذلك عيناً، وهي قائمة: أخذها الموكل، وإن كانت تالفة: فالموكل بالخيار: إن شاء غرم الوكيل، وإن شاء غرم الدافع، وأيهما غرمه: لا رجوع له على الآخر؛ لأنه مقر أنه مظلوم.
وإذا كان ديناً: فالموكل لا يغرم الوكيل؛ لأنه لم يأخذ شيئاً من ماله بزعمه؛ بل يغرم الدافع، ولا رجوع للدافع على القابض.
أما إذا كان المطلوب منه دفع المال إليه من غير أن يصدقه صريحاً؛ فإذا حلف الموكل، وغُرم الدافع: له أن يرجع على القابض، ديناً كان أو عيناً، أما إذا امتنع المطلوب منه عن دفع المال إلى الوكيل بعد تصديقه: نص على أنه لا يلزمه الدفع إليه، ونص فيما لو قال: لفلان عندي أو عليَّ كذا، وقد مات، وهذا وارثه: أنه يلزمه الدفع إليه؛ فمن أصحابنا من جعل فيهما قولين:
أحدهما: يلزمه الدفع إلى الوكيل والوارث جميعاً؛ لأنه مقر أنه يبرأ بالدفع إليه.
والثاني: لا يلزمه إلا ببينة؛ لأنه لم يأمن من إنكار الموكل وكالته، وأن يبين من كان يظن موته حياً.