وقيل: يرجع عليه وإن دفع بحضرته؛ لأن ترك الإشهاد سبب الضمان؛ فلا يسقط بحضور الموكل؛ كما لو أتلف ماله، وهو حاضر يضمن، والأول أصح.
وإن كان الوكيل دفع بغيبة الموكل: فللموكل أن يرجع على الوكيل بما دفع إليه؛ لأنه كان يجب على الوكيل حفظ النظر للموكل بالإشهاد، وإن كان الموكل يصدقه في الدفع، فقال أبو الطيب بن سلمة: إن كان يصدقه في الدفع: فليس له أن يضمنه؛ لأنه مقر أنه أتى بما أمر به، والأول المذهب، وإن كان قد أشهد على الدفع إلا أن الشهود ماتوا أو غابوا أو جُنُّوا: فليس للموكل أن يرجع على الوكيل؛ لأنه أتى بما عليه من الاحتياط.
وإن أشهد مشركين أو عبدين أو فاسقين: فهو كعدم الإشهاد؛ فللموكل أن يرجع عليه، وإن أشهد شاهداً واحداً: ففيه وجهان:
أحدهما: يرجع عليه؛ لأن الشاهد الواحد ليس بحجة كاملة.
والثاني: لا يرجع؛ لأنه يمكنه أن يحلف معه؛ فيكون حجة كاملة.
ولو أمره بإيداع مال عند رجل؛ فهل يلزمه الإشهاد؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه؛ لأنه لا يؤمن جحوده؛ كما لو أمره بقضاء دينه.
والثاني: لا يلزمه؛ لأن قول المودع مقبول في الهلاك، والرد؛ فلا فائدة في الإشهاد.
فإن قلنا: يلزمه الإشهاد، فلم يشهد، وحجة المدفوع إليه: فللموكل أن يرجع على الوكيل ويغرِّمه.
وخرج ابن سريج قولاً آخر- وبه قال أبو حنيفة- رحمة الله عليه: أن الوكيل إذا ادعى الدفع: يقبل قوله على الموكل، وإن لم يقبل على المدفوع إليه؛ لأن المدفوع إليه: لم يأتمنه، والموكل قد ائتمنه؛ كما لو ادعى رده إلى الموكل: يقبل قوله، وإن لم يشهد.
والأصح: أنه لا يقبل قوله على الدافع إلا ببينة؛ لأن الموكل أمره بالدفع- إلى من لم يأتمنه؛ فمقتضاه: أن يشهد، وعلى هذا: كل ما جُعِل إلى الوكيل من بيع أو هبة أو طلاق أو عتق أو صلح أو إبراء، فقال الوكيل: قد فعلت، وأنكر الموكل: نُظر: إن كان بعدما عزله الموكل: لا يقبل قوله؛ لأنه لا يملك المباشرة.
وإن كان قبل عزله: ففيه وجهان:
أصحهما: لا يُقبل قول الوكيل إلا ببينة.