وإن أخذت منه بنكوله ورد اليمين: هل تسمع دعوى الثاني عليه بالقيمة؟ إن قلنا: النكول ورد اليمين كالبينة: لا تسمع.
وإن قلنا: كالإقرار: فهو كما لو أقر للأول، هل تسمع دعوى الثاني عليه؟ فعلى قولين.
فصلٌ
إذا قال؛ وهبت هذه الدار من فلان، ولكن ما أقبضته، وقال المقر له: بل أقبضتني: فالقول قول المقر مع يمينه أنه لم يقبض.
ولو قال: وهبت منه، وملكها: لم يكن إقراراً بالقبض؛ لاحتمال أنه ظن أنه ملك بالهبة، وكذلك: لو قال: وهبته منه، وخرجت إليه: لم يكن إقراراً بالقبض، أما إذا قال: وهبت له، وأقبضته، أو سلمت إليه، أو حازها: كان إقراراً بالقبض، فلو أنكر بعد ذلك أن يكون قبضها: لم يُقبل منه، ولم يكن له تحليف المقر له؛ لأنه لا يكذب، فإن بيَّن لإقراره وجهاً محتملاً؛ بأن قال: كنت أقبضته باللسان، وظننته إقباضاً، أو ورد عليَّ كتابٌ من وكيلي أنه أقبضه، فبان أن الكتاب كان مزوراً- حينئذ: تسمع دعواه، والقول قول المقر له أنه أقبضه؛ فبان صحيحاً، وكذلك: حكم الرهن.
ولو أقر أنه باع من فلان داراً، أو وهب، وسلم، ثم قال: كنت قد بعته أو وهبته ظاناً أن البيع صحيح، فأقررت، ثم علمت فساد البيع أو الهبة: لا يُقبل قوله، وله تحليف المقر له، فإن نكل حلف المقر، وحُكم ببطلان البيع والهبة.
ولو قامت بينة على الهبة والإقباض، ثم ادعى أنه لم يقبض، وبيَّن له وجهاً- نُظر: إن شهدت البينة على نفس الهبة والقبض: لم يكن له تحليف المشهود له؛ لأن فيه تكذيب الشهود، وإن شهدت على إقراره: فله تحليفه كما ذكرنا، ولو قال: تملكت هذه الدار من فلان: فهو إقرار لفلان بها، فإن أنكر فلان التمليك: فالقول قوله مع يمينه، وإن قال: تملكت على يدي فلان: لا يكون إقراراً له بها؛ لأنه يشعر عن كونه وكيلاً ببيعه.
ولو قال: هذه لزيد، وهي رهن لعمرو عندي: فهو إقرار لزيد؛ فإن أنكر زيد الرهن: فالقول قوله مع يمينه.
ولو ادعى على إنسان شيئاً، فقال المدعى عليه: لا أُقر ولا أنكر: فهو إنكار، فيعرض عليه اليمين، فإن لم يحلف: حلف صاحبه، واستحق دعواه.
ولو قال: أنا مقر، أو: أنا أقر ولا أنكر: لم يكن هذا إقراراً؛ لأنه يقر ببطلان ما يدعيه.