ثبت الدينان بالبينة؛ لأن حالة المرض ليست حالة حجر في الإقرار؛ بدليل أنه لو أقر لواحد بجميع ماله في المرض: يُقبل.
وقال أبو حنيفة- رحمة الله عليه-: يُقدم دين حال الصحة على دين المرض.
إذا ثبت بالإقرار، فنقول: الإقرار بالدين استويا في اللزوم، ولم يتعلق أحدهما بعين مال، فيستويان في القضاء؛ كالإقرار في الصحة أو في المرض، وقد أقر بدين في حياته، ثم مات، فأقر وارثه بدين آخر- هل يقدم دين الحياة؟ فيه وجهان:
أصحهما: سواء؛ كما لو بينا بالبينة.
ولو أقر لوارثه بدين في مرض موته، أو بعين- هل يصح أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما- وبه قال أبو حنيفة- رحمة الله عليه- ومالك-: لا يصح؛ لأنه متهم؛ كما لو أوصى لوارثه بشيء: لا يصح.
والثاني: لا يصح؛ لأن حالة المرض ليست حالة الحجر في الإقرار؛ بدليل أنه لو أقر لأجنبي بجميع ماله: يصح، فإن قلنا: لا يصح: فالاعتبار في كونه وارثاً بحالة الإقرار أم بحالة الموت؟ فيه قولان:
قال في الجديد- وبه قال أبو حنيفة: الاعتبار بحالة الموت؛ كما في الوصية، كما لو أقر لأخيه بشيء، وهو وارثه، ثم حدث له ابن، فصار الأخ محجوباً، أو أقر لزوجة، ثم فارقها- صح إقراره؛ كما لو أوصى له بشيء، ثم صار محجوباً، ولو كان محجوباً يوم الإقرار، فصار وارثاً بأن مات ابنه، فصار الأخ وارثاً، أو أوصى لأجنبية، ثم نكحها: بطل الإقرار.
وقال في القديم- وبه قال مالك- رحمة الله عليه-: الاعتبار بحالة الإقرار: فإن لم يكن وارثاً يوم الإقرار، فصار وارثاً يوم الموت: لم يبطل الإقرار، وإن كان وارثاً يوم الإقرار، فصار محجوباً: لم يصح الإقرار، بخلاف الوصية، لأنها عطية بعد الموت، فيعتبر عدم التهمة حالة الاعتبار.
ولو ملك رجل أخاه، ثم أقر في مرض موته أنه قد كان أعتقه في صحته: كان العتق نافذاً، وهل يرثه أم لا؟ إن قلنا: الإقرار للوارث: يصح ويرثه، وإن قلنا: لا يصح الإقرار للوارث: لا يرثه؛ لأن توريثه يوجب إبطال الإقرار بحريته، وإذا بطلت الحرية- سقط، فأثبتنا الحرية، وأسقطنا الإرث.