إذا انتجع بلداً مخصباً: استعوى كلباً على جبل، أو نشز وقف له من يسمع صوته؛ فإلى حيث انتهى صوته: حماه لنفسه من كل ناحية؛ يمنع العامة عنه ويرعى مع العامة فيما سواه.
وكل حمى يضيق به المرعى على الناس: لا يجوز بلا خلاف، ثم ما حماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبقى على حالته؛ لا يجوز نقضه إلى قيام الساعة.
أما ما حماه غيره من الأئمة، وجوزنا: هل يجوز له أو لغيره من الأئمة نقضه وعمارته وإقطاعه؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز؛ كما حماه النبي- صلى الله عليه وسلم- وكالوقف: لا يجوز تغييره.
والثاني: يجوز؛ بخلاف ما لو حماه النبي- صلى الله عليه وسلم- فإنه كان مقطوعاً بصلاحه دون حمى غيره.
فإن جوزنا: فلو أحياه واحد من العوام بغير إذن إمام: هل يملكه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يملك؛ لقوله- عليه السلام:"من أحيا أرضاً ميتة: فهي له".
والثاني: لا يملك، وهو الأصح، وتنقض عمارته؛ لأنه تقدم حكم من الإمام؛ فلا ينقض عليه.
وقيل فيما حماه النبي- صلى الله عليه وسلم- إن كان المعنى الذي حماه له باقياً: لا يجوز تغييره؛ لأنه مقطوع بصلاحه، وإن زال ذلك المعنى: فيه وجهان:
أحدهما: لا يغير؛ كالمسجد، إذا انجلى أهل المحلة: لا يغير.
والثاني: يجوز تغييره؛ لزوال المعنى؛ فعلى هذا: من أحياه ملكه.
فصل فيما يكون إحياء الموات
يختلف باختلاف مقصود المحيي من الأرض؛ لأنه لا بيان له في الحديث، فكان المرجع فيه إلى العادة، كالقبوض والأحراز، فإذا أراد داراً- فلا يملك حتى يبنى حواليه جداراً من طين أو لبن أو من قصب وخشب، إن كانت عادتهم ذلك، ويسقف بحيث يصلح للسكنى، والسكنى ليس بشرط؛ فإن بنى حواليه، ولم يسقف: فهو كالتحجر.