والثاني: إقطاع إرفاق لا تمليك فيه؛ كالمقاعد في الأسواق، والطرق الواسعة.
إذا قعد رجل في طريق للبيع والشراء: فإن كان يضيق الطريق على المارة: منع منه، وإن لم يضيق: فلا يمنع، سواء قعد بإذن الإمام أو بغير إذنه؛ لاتفاق الناس عليه في جميع الأمصار من السلف والخلف.
ويجوز للسلطان إقطاعه؛ لكنه لا يملكه، بل يكون أولى بالمكان الذي قعد فيه، وبما حواليه قدر ما يضع فيه متاعه، ويقوم فيه المشتري، فلو قعد بقربه من يضيق المكان عليه، لوضع أمتعته، أو يمنع الناس عن رؤية متاعه: يمنع من ذلك، وله أن يظلل عليه بما لا يضر بالمارة من تارية أو ثوب؛ لأنه لا يستغني عنه، ويمنع من أن يبني دكة؛ لأنه يضيق به الطريق، ويعثر به الضرير، والبصير بالليل، وإذا أقطعه السلطان موضعاً: كان أحق به؛ سواء نقل متاعه إليه أو لم ينقل؛ لأن للإمام النظر والاجتهاد، فإذا أقطعه: ثبتت يده عليه.
وإذا قعد في موضع، ثم فارقه على ألا يعود: لم يكن له [منع] غيره من القعود فيه، وغن فارقه لشغل حتى يعود، أو عاد إلى بيته، بالليل، ثم رجع في اليوم الثاني: كان أولى به، فإن رجع في اليوم الثاني، وقد قعد فيه غيره: يزعج، وإن طال قعوده في مكان: هل يمنع؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه ثبتت له اليد بالسبق إليه.
والثاني: يمنع؛ حتى لا يصير كالمتملك له.
وقال الإصطخري: إذا عاد إلى بيته بالليل، ثم رجع في اليوم الثاني، وقد سبقه غيره: كان الثاني أولى به؛ كالمسجد.
والأول أصح، بخلاف المسجد: فإنه مكان عبادة وموضع قربة ينتابه الناس؛ فالسابق أولى به في أي وقت جاء؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- "مني مناخ من سبق".
ولو غاب عن مقعده في السوق أو الطريق يوماً أو يومين؛ لشغل: من مرض أو سفر، ثم عاد: كان أولى به، فإن طالت مدة غيبته: بطل حقه، ولغيره أن يقعد فيه، وإن سبق اثنان