أحدهما: أن يقف على ما لا ينقرض؛ مثل: أن يقف على الفقراء والمساكين، أو المجاهدين، أو العلماء وما أشبههما؛ فيصح.
والثاني: أن يقف على ما ينقرض، ثم بعده على ما لا ينقرض مثل أن يقف على رجل بعينه، ثم على عقبه، ثم على الفقراء؛ فيصح، وإن كان الوقف منقطع الابتداء والانتهاء؛ مثل: إن وقف على رجل غير معين أو على من يختاره فلان، أو على ولد فلان، وليس له ولد، أو على أولادي الذين يحدثون، أو على مسجد سيبنى: لا يصح على الصحيح من المذهب؛ وكذلك: لو قال: وقفت هذه، ولم يزد عليه: فالصحيح أنه لا يصح، وهو باق على ملك الواقف؛ لأنه لم يبين له مصرفاً.
وفيه قول آخر: أنه يكون وقفاً؛ لأنه رضي أن يتقرب به، وإن لم يبين [له مصرفاً]؛ كما لو قال: لله علي أن أتصدق بهذا: يصح، وإن لم يبين مصرفه: فعلى هذا: يصرف إلى أقرب الناس بالمحبس؛ لأن العادة قد جرت أن الإنسان إذا أراد أن يتصدق: يبدأ بأقاربه؛ فيجعل كأنه صرح به، فإذا لم يبق أحد منهم: صرف إلى الفقراء أو المساكين.
وفيه وجه آخر لابن سريج: أنه يجوز للقيم أن يصرفه في أي وجوه البرشاء مما يعود إلى صلاح المسلمين من أهل الزكاة، وإصلاح القناطر وسد الثغور ودفن الموتى وسائر وجوه البر؛ كما لو وقف شيئاً على وجوه البر: صرف إلى جميع هذه الوجوه.
وإن كان الوقف معلوم الابتداء، منقطع الانتهاء؛ مثل: إن قال: وقفت هذا على زيد، ولم يزد عليه، وقال: وقفته على زيد، ثم على عقبه، ولم يزد عليه، أو قال: على أولادي وأولاد أولادي، ولم يزدعليه، أو قال: على أولادي، ثم على مجهول: من حمل أو شخص لم يسمه: ففيه قولان:
أحدهما: أن الوقف باطل، لأن شرط الوقف أن يكون مؤبداً، وهو إذا لم يزد منتهاه إلى ما لا ينقطع: فكأنه لم يؤبده؛ كما لو قال: وقفته خمسين سنة: لا يصح.
والثاني: وهو الاصح، والمنصوص عليه: أنه يصح؛ لأنه رضي بزوال حقه عنه إلى غيره.
فعلى هذا: تصرف غلته إلى من عينه، ثم [بعد من عينه] إلى أقرب الناس بالمحبس، ثم من بعدهم إلى الفقراء والمساكين؛ فإن لم يكن للواقف قريب: يصرف إلى الفقراء والمساكين.