للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو وجد اللقيط رجلان: نظر: إن استوت حالتهما بأن كانا مسلمين حرين أمينين مقيمين: قال أبو إسحاق- رحمه الله-:

إن كانا موسرين: فهما سواءٌ؛ يقرع بينهما؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: ٤٤] فمن خرجت قرعته: يسلم إليه، وإن كان الآخر خيراً له، إذا لم يكن هذا مقصراً عما فيه صلاحه، سواء كانا رجلين أو امرأتين، أو أحدهما امرأة؛ لأن المرأة تكون أهدى إلى الحضانة.

ولا يترك في أيديهما، لأن اجتماعهما على حفظه غير ممكن، ولأن الحضانة لا تتبعض، ولا توضع على المهايأة، لأنه إذا ألف أحدهما يشق عليه مفارقته، وتختلف عليه الأخلاق والأغذية، فيتضرر به، ولا يسلم إلى ثالث؛ لأن الحق ثبت لهما؛ فلا ينقل إلى غيرهما، ولا يخير الصبي، وإن كان له سبع سنين، فأكثر؛ بخلاف الصبي فيالحضانة؛ فإنه يخير بين الأبوين بعد سبع سنين.

وقيل: الأم أولى به؛ لأن أمره يدور على الشفقة بالولادة والتربية، ويؤثر ذلك في ميل القلب، وهذا معدوم في اللقيط، وليس كاللقطة: يجدها رجلان حيث قلنا: تقر في أيديهما، فيعرفانها ويملكانها؛ لأن طريقها طريق الكسب وتملك المال؛ وذلك يتبعض بخلاف الحضانة.

فإن ترك أحدهما حقه: فهل ينفرد الآخر به؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ بل يرفع إلى الحاكم حتى يقره في يد الآخر؛ لأن الأول [أثبت له تلك] الولاية؛ فلا يملك بنفسه نقلها إلى غيره؛ كما لو انفرد بالتقاطه: لا يملك دفعه إلى غيره.

والثاني: وهو المذهب: ينفرد به الآخر؛ لأن الحق ثبت لكل واحد منهما؛ فإذا ترك أحدهما حقه كان للآخر كحق الشفعة، إذا ترك أحد الشفيعين حقه: أخذه الآخر كله.

فأما إذا اختلف حال الملتقطين؛ بأن كان أحدهما عبداً أو فاسقاً: فالحر الأمين أولى به، فيقر في يده، وإن كان أحدهما مسلماً، والآخر ذمياً؛ فإن كان اللقيط محكوماً بإسلامه: فالمسلم أولى، وإن كان محكوماً بكفره: فهما سواء، وإن كان أحدهما قروياً، والآخر بدوياً- فكل موضع قلنا: لو انفرد البدوي بالتقاطه- لا يترك في يده: فالقروي أولى به، وإن قلنا: يترك في يده: فهما سواءٌ، وإن كان أحدهما موسراً، والآخر معسراً: ففيه وجهان:

قال أبو إسحاق- رحمة الله عليه-: الموسر أولى به؛ لأنه يكون في سعة من النفقة.

والثاني: هما سواء؛ لأن نفقته لا تكون على الملتقط حتى ينفعه يساره.

<<  <  ج: ص:  >  >>