ولو ادعى رجلان عيناً في يدي رجل، فقال كل واحدٍ: أنا أودعتكها، فقال المودع: هل لأحدهما، ولا أدري لأيُكما هي- نُظر: إن لم يدع علمه-: أخذت العين منه، وهي كعين في أيديهما، يتداعيانها، فأيهما أقام البينة-: قُضِيَ له، فإن لم تكن بينة: فإن حلفا أو نكلا-: تكون بينهما، وإن حلف احدهما، ونكل الآخر-: قضى بها للحالف، وإن ادعيا علمه-: حلف يميناً واحدة بالله؛ لا يعلمُ أنها لأيهما، فإذا حلف-: أخذت العين منه، وتكون كعين يتراعيانها؛ كما ذكرنا، وإن نكل المدعي عليه عن يمين العلم-: حلف كل واحد منهما على علمه، وأخذ منه العين وقيمتها، ويكون لكل واحد نصف العين، ونصف القيمة، إذا حلفا أو نكلا، وإنما غرمناه القيمة؛ لأن كل واحد ثبت عليه بيمين الرد جميع العين، وإذا جعلنا العين بينهما-: لا يكون لكل واحد إلا نصفها، وإذا أقام أحدهما البينة- أخذ جميع الوديعة، وردت القيمة إلى المودع، وإن لم تكن بينة، وحلف أحدهما-: أخذ الحالف جميع العين، ورد نصف القيمة إلى المودع، ولا يجب على الناكل رد نصف القيمة؛ لأنه ثبت له ذلك بيمينه على المودع، ونكوله كان في حق صاحبه؛ لأن حق المودع، وإن كان مثل هذا.
الدعوى في الغصب
ادعى رجلان أنه غصب مني هذه العين، فقال المدعى عليه: غصبت من أحدهما، ولا أدري أيهما هو-: فيجب أن يُحلف على "البتِّ" لكل واحد منهما أنه لم يغصب منه، فإذا حلف لأحدهما-: تعين المغصوب للثاني، ولا يحلف له.
ولو أقر المدعي عليه بالعين لأحدهما، أو قال لأحدهما: ليست هذه لك -: كان إقراراً للآخر؛ بتسلم العين إليه، وخصومة الآخر تكون مع المقر له، وهل له أن يدعي القيمة على المدعي عليه هذا يبني على أنه لو أقر للثاني بعدما أقر للأول-: لا تُنتزع العين من يد الأول، وهل يغرم القيمة للثاني؟ فيه قولان:
أحدهما: يغرم؛ فعلى هذا: له أن يدعي عليه قيمة العين.
والثاني- وهو الأصح-: لا يغرم؛ فعلى هذا هل يدعي القيمة؟ يبنى على أن النكول ورد اليمين بمنزلة إقرار المدعي عليه أم بمنزلة بينة المدعي؟ وفيه جوابان:
إن قلنا: بمنزلة الإقرار-: ليس له دعوى القيمة، وإن قلنا: بمنزلة البينة -: له الدعوى، فإن حلف-: بريء، وإن نكل-: حلف المدعي، واخذ القيمة، ولا خلاف أن العين لاتنتزع من يد المُقر له، وإن جعلنا النكول ورد اليمين بمنزلة البينة؛ لأنه البينة في حق المتداعيين فحسب، ولو أقر المدعي عليه لهما جميعاً-: كان كشيء في أيديهما