للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم من قال: يصير رقيقاً بنفس الإسلام، لأنه أسير حرم قتله؛ فكان رقيقاً؛ كالصبيان والنسوان.

ومنهم من قال: لا يصير بنفس الإسلام رقيقاً، وهو الأصح؛ لأنه بالغ عاقل، ولكن للإمام استرقاقه إن شاء، وإن شاء من عليه، وإن شاء فداه؛ لما روي أن الأسير العُقيلي قال بعد الإسار: يا محمد، إني مسلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قُلتها وأنت تملك أمرك-: أفلحت كل الفلاح"، ففداه بالرجلين من المسلمين اللذين أسرتهما ثقيف، ولأن الخيار إذا ثبت بين أشياء، فإذا سقط احد لا يبطل الخيار في الباقي؛ كما في كفارة اليمين، إذا عجز عن العتق: لا يبطل الخيار بين الإطعام والكسوة.

ومعنى قول الشافعي -رضي الله عنه-: "رقوا أي: قربوا من الرق؛ فعلى هذا: إذا اختار الفداء-: لم يجز أن يُفاديه إلا أن يكون له عشيرة يأمن معهم على دينه ونفسه، فإن استرقه أو فداه بمال-: كان ذلك في الغنيمة، وإن من عليه: فما أخذ من ماله-: لا يرد إليه؛ بل يكون غنيمة، وإن كانوا أهل كتاب، فقبل واحد منهم الجزية بعدما وقع في الأسر-: هل يحرم قتله؟ فيه قولان:

أحدهما: يحرم قتله، لأن قبول الجزية حاقن للدم؛ كما لو قتل قبل وقوعه في الأسر.

والثاني: لا يحرم قتله، ولا استرقاقه، والإمام فيه بالخيار بين أحد الأشياء الأربعة كما كان؛ بخلاف ما لو قبل الجزية قبل الإسار؛ لأن ثم يجب عرض الجزية عليه، فإذا بذل، وجب القبول، وبعد الأسر بخلافه.

قال الشيخ - رحمه الله-: فإن قلنا: يحرم قتله-: جعلوا في استرقاقه وجهين:

أحدهما: لا يجوز؛ بل يجب تقريره بالجزية، كما لو بذل قبل الأسر.

والثاني- وهو الأصح عندي-: يجوز استرقاقه؛ لأن قبول الجزية دون الإسلام.

ولو أسلم بعد الإسار-: جاز استرقاقه؛ كذلك: إذا قبل الجزية؛ وكذلك: ماله الذي وقع في أيدينا: يون غنيمة، سواء قلنا: يحرم قتله، أو: لا يحرم.

ولو أسر جماعة، فقالوا: نحن مسلمون، أو أهل الذمة- نُظر: إن أخذوا من دار الإسلام-: قُقبل قولهم مع أيمانهم، وإن اخذوا في دار الحرب-: لا يُقبل قولهم؛ لأن الدار تشهد عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>