ومن ذلك ذكر الفعل متوعداً عليه، إما بالإثم، أو بالفسق؛ مثل: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩]. وقوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨]
وقوله: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: ٣].
وما ذكرناه سابقاً، إنما هو أمثلة فقط لهذه الأحكام الخمسة. وبالجملة، فإن الأحكام الخمسة السابقة لم ينص في الكتاب والسنة عليها. كما هي في كتب الفقه بهذه الألفاظ المعروفة في كل مسألة مسألة؛ وإنما وردت في الكتاب والسنة تلك الصيغ الدالة على السخط، أو الرضا، أو عدمهما، منطوقاً أو مفهوماً، ثم إن الصحابة ومن بعدهم من العلماء أدركوا بحسب القرآن ما دلهم على تلك الأحكام، فاصطلحوا عليها ورأوا أن الأوامر والنواهي لا تخرج عنها، فبذلوا وسعهم في الاستنباط بحسب القرآن وموارد كلام العرب وكتاباتهم.
وقُوعُ النَّسْخِ فِي القُرْآنِ
وقع النسخ في الكتاب والسُّنة على السواء، وهو جائز عقلاً بلا خلاف.
وحكمة النسخ أن شرع الأحكام كثيراً ما يكون لمقتضيات وقتية، فإذا تغيرت هذه المقتضيات اقتضى ذلك تغير الحكم؛ رحمة من الحق- تعالى - بعباده.
أما حكمة بقاء تلاوة المنسوخ، فهو التذكير بحكمة التخفيف واستحضار تلك الحالة السابقة، وثواب التلاوة، والتعبد، وغير ذلك.
والنسخ في القرآن معناه: رفع حكم آية عن جميع محالها.
أمثلة على ذلك:
١ - قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:١٨٤]. نسخها قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥].
٢ - قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] نسخها قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].
٣ - قوله تعالى: {الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣]. نسخها قوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: ٦].
وقد وقع النسخ في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال العلاء بن الشخير: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينسخ حديثه بعضه بعضاً كما ينسخ القرآن بعضه بعضاً.