للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعند أبي حنيفة - رحمه الله: لا تقطع الأطرافُ بطرفٍ واحد. [قلنا] لما جاز استيفاء النفوس بنفسٍ واحدة - مع عظم حُرمتها، فاستيفاءُ الأطراف بطرفٍ واحدٍ أولى؛ لأن القاص في الموضعين ثبت لصيانته عن الإتلاف، فمنعه عند الاشتراك طريق يتطرق بها إلى الإتلاف، فلا يصارُ إليه كما في النفس.

وهذا بخلاف ما لو سرق رجلان نصاباً واحداً - لا يجب عليهما القطعُ؛ لأن قطع السرقة [حق] الله تعالى؛ فيجري فيه من التخفيف والمسامحة ما لا يجري في حقوق العباد؛ ألا ترى أنه لو سرق نصف نصابٍ، ثم بعد عاد فكمل نصاباً واحداً - يقطع، فلما لم يكمل فعله بفعله-: لم يكمل بفعل غيره.

وفي القصاص لو قطع، ثم بعد أيام عاد وأبان الباقي - تٌقطع يده، فكذلك عند الاشتراك.

أما إذا تميز فعلُ كل واحد من القاطعين؛ بأن قطع هذا من جانب، وذاك من جانب حتى التقى السكينان، أو قطع أحدهما بعضه، ثم جاء الثاني وأبان، أو وضعا السكين عليه فجرا جزء المنشار - فلا قود عليهما، بل على كل واحد منهما حكومةٌ بقدر جنايته، تبلغ مجموع الحكومتين نصف الدية.

وحكى صاحب "التقريب" قولاً انه يقتص من كل واحد منهما بقدر ما قطع، إن أمكن الوقوف عليه.

ولو قتل عشرة عبد عبداً عمداً - لسيد المقتول - قتلهم جميعاً، ولو عفا عن واحد تعلق عُشرُ قيمة المقتول برقبته، ولو قتل الباقين.

فأما إذا قتل واحدٌ جماعةً - يُقتل القاتلُ بواحدٍ منهم، وللباقين الدية. في تركته، فإن لم تكن له تركة، فهي في ذمته يلقى الله - عز وجل - بهم.

ثم إن قتلهم على الترتيب قُتِلَ بالأول. فلو عفا وليُّ الأول قتل بالثاني، فإن كان وليُّ الأول غائباً، أو كان صبياً، أو مجنوناً - يُحبس القاتل على حضور الغائب، وبلوغ الصبي، وإفاقة المجنون، فلو بادر وليُّ الثاني، فقتله قبل عفو الأول، وقبل حضور الغائب، وبلوغ الصبي- كان مسيئاً، ولا ضمان عليه؛ لأن الحق كان ثابتاً له، فقد استوفى حقه، وللأول الدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>