قال الشيخ- رحمه الله -: ويحتمل أن يقال: القول قول الجاني مع يمينه؛ لأن الأصل براءةُ ذمته عن سوى أرش الجراحة، ونيره: لو قطع يد إنسان، فمات، فقال الجاني: قتل نفسه؛ فليس عليَّ إلا نصفُ الدية، وقال الولي، بل مات بسراية قطعك -[ففيه] وجهان:
أصحهما: القول قول الوليِّ مع يمينه؛ لأن الجناية منه [حقيقة].
والثاني: القول قول الجاني مع يمينه؛ لأن الأصل براءة ذمته.
فصل في تغير أحوال المجني [عليه]
من الجناية والسراية
كل جناية لا يكون ابتداؤها مضموناً في حق الآدمي - فلا يجب الضمانُ بتغير الحال في الانتهاء، وإن كان ابتداؤها مضموناً - فالاعتبار في قدر الضمان بالانتهاء.
وإن تغير الحال إلى الهدر فلا يجب إلا ضمان الجراحة، أما في القصاص في النفس، وفي تحمل العقل يعتبر الطرفان والواسطةُ؛ لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهة، ويحمل العقل مؤاخذة غير الجاني للتناصر، فإن لم يكن من أحد الطرفين من أهله - لا يحمل:
بيانه: لو جرح مرتداً، أو حربياً، فأسلم، ثم مات بالسراية - فلا قود عليه، ولا دية، ولا كفارة.
كما لو جرح حربيٌّ مسلماً، ثم أسلم، أو عقد الذمة، ثم مات المجروحُ بالسراية - لا شيء عليه، وكذلك لو جرح قاصده في الدفع، ثم تاب، فمات، أو جرح قاتل أبيه، ثم عفا، أو قطع يد إنسان سرقةً، أو قصاصاً، فمات بالسراية - لا [شيء عليه، وكذلك: لو جرح عبد نفسه، ثم أعتقه، فمات بالسراية - لا] قود عليه، ولا دية أما إذا جرح عبد غيره، فعتق، ومات بالسراية، أو جرح ذميًّا، فأسلم، ومات بالسراية وجب عليه دية حر مسلم؛ لأن ابتداء الجناية كان مضموناً؛ فيعتبر الانتهاء في قدر الضمان، وهو في الانتهاء حرٌّ مسلمٌ، ولا يجب القود إن كان جارح العبد حرًّا، وجارح الذمي مسلماً، وعند أبي حنيفة - رحمه الله -[عليه] العتق بقطع السراية حتى لو قطع يد عبد، فعتق، ثم سرى - لا يجب إلا دية اليد: