والثاني:[موجبه] القود، أو الدية؛ يختار الولي أيهما شاء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأهله بين خيرتين".
وعلى القولين جميعاً: لو مات الجاني، أو سقط طرفه في قطع الطرف: تؤخذ الدية من ماله، وعلى القولين جميعاً: لو عُفي عن القود مجاناً لا تجب الدية، ولو عُفي على الدية - تثبت الدية، أما إذا عُفي مطلقاً.
فإن قلنا: موجبه أحد الأمرين - تتعين الدية.
وإن قلنا: موجبه القود: فمطلق العفو - هل يجب الدية؟ اختلفوا فيه:
منهم من قال- وهو المذهب-: لا يوجب الدية.
وقال أبو إسحاق: فيه قولان:
أحدهما: وهو اختيار المزني - يوجب الدية؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة ١٧٨] أمر بعد العفو بالاتباع بالمعروف؛ دل أن المال ثابتٌ بالعفو.
والثاني: وهو الأصح-: لا يُوجب؛ لان القتل لم يوجبه، والعفو للإسقاط؛ فلا يجب به المال، والآية محمولةٌ على ما لو عفا على المال وكذلك قوله في الحديث: "فأهله بين خيرتين" محمول على ما إذا اختار المال بالعفو عليه.
وعند أبي حنيفة: لا تثبت الدية، وإن عفا عليها إلا برضا الجاني، حتى لو مات القاتل، أو كان القصاص في الطرف، فقطع طرفه ظلماً - لا دية للمجني عليه، والآية حجة عليه؛ حيث أثبت الاتباع بعد العفو، ولم يشترط رضا الجاني، والحديث حجة [عليه]؛ من حيث إنه عليه السلام - جعل الخيار إلى الولي في اختيار الدية، أو القود؛ إذا ثبت أنه إذا عفا عن أحدهما تعين الآخر على قولنا: إن موجبه أحد الأمرين: فلو اختار أحدهما - نظر: إن اختار الدية - سقط القصاص، وثبت المال، ولا رجوع له إلى القصاص.
وإن قال: اخترت القصاص - فهل له أن يرجع إلى الدية؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا؛ لأنه تركها باختيار القصاص، كما لواختار الدية يسقط القصاص.