للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: يتحتم؛ حتى لا يسقط بالعفو؛ كالقتل.

والثاني - وهو الأصح-: لا يتحتم؛ لأنه تغليظ لا يتبعض؛ يثبت في النفس، فلا يثبت فيما دون النفس؛ كالكفارة؛ ولكنه بالخيار؛ إن شاء اقتص، وإن شاء عفا، ولو أتلف مالاً في قطع الطريق - يجب عليه الضمان وعند أبي حنيفة: لا يجب الضمان، وكذلك قال: لو قطع طرفاً - فلا قصاص، ولا أرش؛ لأن الطرف كالمال.

قلنا: قاطع الطريق ظالمٌ؛ لا شبهة له في مال أهل الرفقة، ولا في طرفه؛ ما لا شبهة له في نفسه، فإذا أخذ بقتل نفسه يؤخذ بقطع طرفه وضمان ماله، وإذا قتل في قطع الطريق خطأ، بأن رمى إلى شخص، فأصاب غيره، أو شبه عمدٍ - فلا قتل عليه، وتجب الدية على العاقلة، وإذا قتل عمداً - تحتم قتله، ففيه معنى الحدود، لأنه لا يسقط بالعفو، واستيفاؤه إلى السلطان لا إلى الولي، وفيه معنى القصاص؛ لأنه قتل بإزاء قتل، وأيهما يغلب؟ فيه قولان، وفائدته تتبني في أنه هل تُراعى فيه الكفارة والمماثلة أم لا؟ مثل إن قتل حر عبداً، أو مسلمٌ ذمياً، أو قتل الأب ابنه؛ إن غلبنا جهة الحدود - فيقتل به، وإن غلبنا جهة القصاص - فلا قتل عليه، وتجب الدية وقيمة العبد، ولا خلاف أنه لو قتل عبد نفسه - لا يقتل؛ كما لو أخذ مال نفسه - لا يُقطع، ولو قتل جماعةً في قطع الطريق؛ إن غلبنا جهة الحدود - قُتل بهم جميعاً، ولا يجب شيء من الدية، وإن غلبنا جهة القصاص - قُتل بالأول، وللباقين الدية، فإن عفا الأول - لا تسقط، ولو قتله أجنبي غير الإمام: إن غلبنا الحد - فلا شيء عليه، إلا التعزير؛ لتفويته على الإمام، وإن غلبنا القصاص - عليه الدية لورثته.

قال الشيخ - رحمه الله-: ولا قود؛ لأن قتله محتومٌ، ولو مات إن غلبنا الحد - فلا شيء عليه، وإن غلبنا القصاص - تؤخذ الدية من تركته.

ولو قتل في قطع الطريق بمثقل أو قطع عضو -هل يستوفي بذلك الطريق؟ إن غلبنا الحد - فلا؛ بل تُحز رقبته؛ كالمرتد، وإن غلبنا القصاص- يقتل بذلك الطريق.

وإذا وجبت العقوبة على قاطع الطريق، فهرب- يطلب، فيتبع؛ حتى يظفر به؛ فيقام عليه الحد، فإن تاب قبل القدرة عليه - سقط عنه ما لزمه بسبب قطع الطريق؛ لقوله [عز وجل]: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤]، فإن كان قد قتل - سقط تحتم القتل، ولا يسقط القصاص، فالولي إن شاء

<<  <  ج: ص:  >  >>