-رحمه الله-: من الرماة من يقول: إن القريب من السهام إنما يسقط البعيد، إذا وقع بين يدي الغرض أو من جانبيه، فأما ما فوقه فلا يسقطه، ثم قال: القياس أن يتقايسا، فيسقط القريب البعيد؛ كما لو وقع بين يديه أو بجنبه، فإذا عقدا على الحوابي وشرطا أن يحسب/ خاسق أحدهما جانبين- جاز؛ نص عليه كما ذكرنا في القرع؛ لأن الخاسق زيادة على الحابي، فتكون تلك الزيادة في مقابلة الحابي للثاني، وهل يشرط في عقد المناضلة بيان من يبدأ بالرمي؟ فيه قولان:
أقيسهما: يشترط، فإن لم يبينا لا يصح؛ لوقوع الاختلاف فيه.
والثاني: يصح.
ثم إن كان المال منهما يقرع بينهما، وإن كان من أحدهما فهو أولى بالبداية، وإن كان من جهة غيرهما فيقدم المستبق من يشاء، وقيل: يقرع بكل حال، سواء كان المال [منهما أو] من أحدهما أو من جهة غيرهما، ويستحب أن يكون الرمي بين غرضين؛ روي عن عقبة بن عامر؛ "أنه كان يرمي بين غرضين"، ومثله عن ابن عمر وأنس، ولأن ذلك أقطع للتنافر وأقل للتعب، فإن كان الرمي بين غرضين، فبدأ أحدهما في غرض بدأ الآخر في الغرض الثاني، فإن كانت البداية لأحدهما فرمى الآخر قبله، لم يحسب له إن أصاب، ولا عليه إن أخطأ، فإن حانت نوبته يرمي ثانياً، وإذا اختلفا في موضع الوقوف كان الأمر إلى من له البداية؛ لأنه لما ثبت له السبق ثبت له اختيار المكان، ثم يقف الآخر بجنبه، وإذا أصاب الثاني إلى الغرض الثاني كان الخيار في موضع الوقوف إليه، ولو وقف أحدهما عن يمين الغرض، والآخر عن يساره- جاز، إذا لم يكن أحدهما أقرب من الغرض، وكذلك لو قدم أحدهما إحدى رجليه حالة الرمي- جاز؛ لأنه جرت به عادة الرماة، وإن طلب أحدهما استقبال الشمس، والآخر الاستدبار- أجيب إلى الاستدبار؛ لأنه أصلح للرمي، وإن بدأ أحدهما فلا يرمي جميع ما معه من النبل، بل يرمي سهماً، ثم يرمي صاحبه سهماً هكذا حتى ينفذ نبلهما، ومطلق العقد يحمل على هذا، فإن شرطا أن يرمي كل واحد في نوبته أكثر من واحد ثلاثاً ثلاثاً، أو خمساً خمساً، أو يرمي أحدهما جميع ما معه، ثم يرمي الآخر- جاز بشرط أن يكونا فيه سواءً، فإن رمى أحدهما أكثر مما له- لم تحسب له تلك الزيادة إن أصاب، ولا عليه إن أخطأ.