للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو قال: "على عهد الله، وميثاقه، وأمانته، وكفالته"- فهو كقوله: "أشهد بالله". فإن أراد به اليمين، فهو يمين، ويكون المراد من العهد استحقاقه لما أوجبه علينا وتعبدنا به، وإن أراد غير اليمين فهو: ما أخذ علينا من العهد في العبادات- فليس بيمين، وإن أطلق- فعلى وجهين.

ولو قال: "نذرت الله" ففيه وجهان، ولو قال: "اعتصم بالله، وأستعين بالله، وأتوكل عليه، وأثق به"- فلا يكون يميناً، وإن نوى، ولو قال لغيره: "أسألك بالله، أو: أقسم عليك بالله، لتفعلن كذا". فإن أراد بذلك الشفاعة، أي: أتشفع بالله عليك لتفعلن كذا- فلا يكون يميناً، وكذلك إن كان أراد يمين من يقسم عليه، أن ينعقد للمسئول- فلا يكون يميناً في حق واحد منهما؛ لأن السائل أراد يمين غيره، وهو المسئول، والمسئول لم يحلف، وإن أراد يمين نفسه؛ كأنه يحلف على المسئول: لتفعلن كذا-: كان يميناً/ في حقه، ويستحب للمسئول أن ينوي في قسمه؛ لما روي عن البراء بن عازب، قال: "أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بسبع: بعبادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم"، ولو حلف رجل لا يفعل كذا، فقال غيره: يميني في يمينك، أو: أنا مثلك في اليمين- لا تنعقد اليمين بغير الله- عز وجل- ويكره ذلك؛ كقوله: "والرسول والكعبة والسماء والأرض" ونحو ذلك؛ روي عن ابن عمر؛ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أدرك عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وهو يسير في ركب، وهو يحلف بأبيه، فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً، فليحلف بالله أو ليصمت"؛ فإن قيل: أليس، قد أقسم الله تعالى بالمخلوقات، فقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: ١]، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: ١] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: ١] وغيرها من الآيات؟ - قيل: ذكر الرب فيه مضمر، معناه: ورب النجم، ورب السماء؛ كما قال في موضع آخر: "فورب السماء والأرض، إنه لحق"، وقيل: إنما حلف بهذه الأشياء، لأنه ليس فوق الله أحد يعظم تعظيمه، فحلف بأعظم مخلوقاته، وقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أفلح وأبيه، إن صدق"- صلة للكلام- ليس بقسم؛ يدل عليه: أن اليمين للتعظيم، ولا يحلف بأب الأعرابي تعظيماً له، ولو قال: إن فعلت كذا، فأنا برئ من الإسلام أو يهودي أو نصراني- فلا يكون يميناً.

وعند أبي حنيفة-: يكون يميناً، ومن سبق إلى لسانه لفظ اليمين من غير قصد؛ كقول الإنسان في لجاج أو عجلة، أو في صلة كلام: "لا، والله"، "بلى، والله"- لا يكون يميناً،

<<  <  ج: ص:  >  >>