إذا حلف لا يكلم فلاناً فسلم عليه- حنث، وإن كتب إليه كتاباً أو أرسل له رسولاً- ففيه قولان، قال في الجديد - وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني-: لا يحنث؛ لأنه لا يسمى كلاماً في العادة؛ بدليل أنه لا يخرج المهاجر به عن إثم الهجران.
وقال في القديم: يحنث؛ لأن الله تعالى قال:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} إلى قوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً}[الشورى: ٥١]؛ استثنى الوحي- وهو الرسالة- من الكلام؛ فدل أنها منه، ولأنه بمنزلة الكلام بين الغائبين، وإن لم يخرج به عن [إثم] الهجران؛ [كما لو لقيه، فشتمه، أو قصده خصمه؛ ليكلمه، فزجره، وقال: تنح عني- يحنث، وإن لم يخرج به عن إثم الهجران] وقال ابن أبي هريرة: يخرج بالكتاب والرسالة عن إثم الهجران؛ لأن المقصود من الكلام إزالة الوحش، ويحصل ذلك بالمكاتبة والمراسلة، ولو أشار إليه بيده أو بعينه رمزاً، هل يحنث؟ قال أصحابنا: فيه قولان؛ كالكتابة:
أحدهما: يحنث؛ لأن الله تعالى استثنى الرمز من الكلام؛ فقال:{آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً}[آل عمران: ٤١]؛ [فدل أنه من الكلام].
والثاني- وهو الأصح-: لا يحنث؛ لأن الله تعالى قال:{فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}[مريم: ٢٦]، ثم قال:{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ}[مريم: ٢٩]، ولو كانت الإشارة كلاماً- لم تفعله، ولو قرأ آية من القرآن، ففهم ذلك الرجل بالقراءة مقصوده؛ مثل: أن دق الباب، فقال:{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ}[الشعراء: ٤٦]، فإن كان قصده قراءة القرآن- لم يحنث؛ وإلا حنث.
وإن حلف لا يكلم الناس- يتناول الرجال والنساء والأطفال؛ فإن قال:"ناساً"- انصرف إلى ثلاثة أنفس ولو حلف لا يتكلم، فقرأ القرآن، أو سبح- لم يحنث؛ لأن إطلاقه يتناول كلام الآدميين، وعند أبي حنيفة- رحمه الله-: أن قراءة القرآن في غير صلاة حنث.
وإن حلف لا يقرأ القرآن فقرأ جنباً- حنث، وإن لم يثب عليه، ولو حلف أن يقرأ،