ولو عين مسجداً آخر سوى هذه المساجد الثلاثة- لا يتعين، ولو نذر أن يجاهد في جهة عينها- هل يتعين؟ فيه وجهان، قال الشيخ أبو زيد: لا يتعين؛ وله أن يجاهد في أي جهة شاء؛ لن الناذر لا حق له في الجهاد، إنما مقصوده الغزو، وقال صاحب "التلخيص": تتعين تلك الجهة؛ لأن الجهاد يختلف باختلاف الثغور؛ لبعد المسافة، وكثرة المؤونة، وقوة العدو.
فصل في نذر الحج
إذا نذر حجاً أو عمرة- لزمه أن يحج/ ويعتمر، إذا قال:"لله علي أن أمشي إلى بيت الله أو آتي بيت الله" نظر: إن لم يرد [بيت الله] الحرام- لا يلزمه شيء، وقال أبو حامد: مطلقه يحمل على البيت الحرام؛ لأنه الذي يفهم من إطلاقه، وإن نوى البيت الحرام، أو صرح فقال:"لله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام، أو آتي بيت الله الحرام"- هل يلزمه إتيانه؟ قيل: هذا ينبني على أن دخول الحرم، هل يقتضي إحراماً؟ وفيه قولان؛ إن قلنا: يقتضي إحراماً- يلزمه أن يأتيه، فيحج أو يعتمر، وإن قلنا: لا يقتضي إحراماً- فهو كما لو نذر أن يأتي مسجد المدينة أو المسجد الأقصى، ومن أصحابنا من قال- وهو المذهب-: يلزمه إتيانه قولاً واحداً، ويحج أو يعتمر؛ لأنه لا قربة في إتيانه إلا بنسك، [ثم] إن نذر المشي- فهو كما لو نذر أن يحج ماشياً أو يعتمر ماشياً، وإن نذر الإتيان- فلا يلزمه المشي، وعلي أن يحج ويعتمر، وقيل: إن قلنا: دخول مكة لا يقتضي إحراماً- فعليه أن يحج أو يعتمر، إن شاء، أو يصلي ركعتين، أو يعتكف في المسجد الحرام، فإذا أوجبنا إتيانه، وكان قد نذر المشي إليه، لو نذر الحج أو العمرة ماشياً- فهل يجوز أن يأتيه راكباً أم عليه المشي؟ فيه قولان؛ بناءً على أن الحج راكباً أفضل أو ماشياً؟ وفيه قولان:
أحدهما: راكباً؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حج راكباً.
والثاني: ماشياً أفضل؛ لأن التعب فيه أكثر؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة- رضي الله عنها-: "أجرك على قدر نصبك": فإن قلنا: الحج راكباً أفضل، فإذا ركب- لا شيء عليه، وإن قلنا: ماشياً أفضل- وهو الأصح- فيجب عليه المشي، ومن أي موضع يلزمه [المشي]؟ نظر: إن قال: "لله علي أن أحج ماشياً" فمن الميقات، وإن أحرم قبل