أمره الله- تعالى- أن يشاور أهل العلم فقال:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩].
قال الحسن: إن كان النبي- صلى الله عليه وسلم- لغنياً عن مشاورتهم، ولكن أراد بذلك أن يستن بذلك الحكام بعده. ولا يشاور إذا نزل به المشكل إلا أميناً مجتهداً، ثم لا يقلده، وإن كان أعلم منه، بل يجتهد رأيه؛ فما لاح له بالدليل قضى به، وإن لم يتضح له أخره حتى يتضح.
وعند ابن سريج: إذا ضاق الوقت؛ بأن كان الحكم بين مسافرين؛ وهم على الخروج للقاضي أن يقلد غيره، ويحكم بينهم؛ كما قال في القبلة إذا خاف فوت الوقت لو اشتغل بالاجتهاد: قلد وصلى.
ويستحب أن يجمع أهل المذاهب المختلفة في مجلس حكمه؛ حتى إذا وقعت حادثة مختلف فيها، ذكر كل واحد منهم دليل مذهبه، فينظر القاضي في الدليل؛ فيقضي بما هو أرجح عنده.
وإن لم يكن ممن يعرف الدليل، ويعقل القياس- فلا يجوز أن يكون قاضياً، ولا يجوز للإمام أن يقلد رجلاً القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه؛ لقوله تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ}[ص: ٢٢] والحق: ما دل عليه الدليل؛ فإن قلده على هذا الشرط، لم تصح التولية.
فإذا قضى القاضي باجتهاده، ثم بان أنه أخطأ- نظر: إن بان له الخطأ بنص كتاب، أو سنة، أو إجماع أو قياس جلي- يجب عليه رد قضائه.
روي أن عمر- رضي الله عنه- كتب إلى أبي موسى الأشعري: لا يمنعك قضاء قضيته، ثم راجعت فيه نفسك؛ فهديت لرشده أن تنقضه؛ فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
فإن بان له الخطأ بقياس خفي لا ينقضه شيء؛ فإن وقعت تلك الحادثة مرة أخرى، حكم بما لاح له من بعد؛ فإن عمر بن الخطاب قضى في الحد بمائة قضية مختلفة وكذلك إذا رفع إليه قضاء قاض آخر فوجده مخالفاً لنص كتاب، أو سنة، أو قياس جلي، أو إجماع- ينقضه.