لا يخلو: إما إن شهدا على عقوبة، أو مال: فإن شهدا على عقوبة؛ إن كانت حقاً لله تعالى، مثل: حد الزنا، والشرب، وقطع السرقة- لا يحبس؛ لأن مبناها على المساهلة؛ بدليل أنه لو هرب بعد وجوب الحد عليه، لا يتبع.
وإن كان حقاً للعباد؛ مثل: القصاص، وحد القذف؛ سواء قذف زوجته، أو أجنبياً- يحبس المشهود عليه؛ لأن المدعي أتى بما عليه، ولم يبق إلا البحث عن العدالة؛ والأصل في الناس العدالة.
وإن شهدا على مال، نظر: إن كان عيناً، ينتزع من يد المشهود عليه بمسألة المدعي، ويوقف، ويمنع من التصرف فيه؛ حتى يعدل الشهود.
وإن كان ديناً، لا يستوفي؛ وهل يحبس المشهود عليه؟ فيه وجهان:
أصحهما- وهو قول أبي إسحاق-: يحبس؛ لأن الظاهر عدالة الشهود.
والثاني- وهو قول الإصطخري-: لا يحبس؛ لأن الأصل براءة ذمته، بخلاف القصاص، وحد القذف يحبس فيه؛ لأنه يستوفي من بدنه.
وقيل: لا يحبس، بل يكفل، وللمدعي ملازمته إلى أن يعطي الكفيل.
وإذا بعث القاضي معهما رجلاً؛ ليكفل، فالأجرة على المدعي.
وكذلك لو ادعت امرأة على زوجها؛ أنه طلقها، وأقامت شاهدين- يفرق بينهما إلى تعديل الشهود.
ولو ادعى عبد على سيده؛ أنه أعتقه، وأقام شاهدين؛ لا تعرف عدالة باطنهما، وسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده- يحال بينهما، ويؤاجره الحاكم؛ فينفق عليه من كسبه، ويكسوه، ويقف ما فضل؛ فإن تم عتقه كان له، وإن رق كان للسيد؛ وهل يحال بينه وبين السيد من غير مسألة العبد؟ وفي المال من غير مسألة المدعي؟ فيه وجهان.
وبعدما حال الحاكم بينهما، ووقف العين، فجميع تصرفات المتداعيين فيها باطلة إلا أربعة: الإقرار؛ وهو أن يقر به لإنسان، والعتق، والتدبير، والوصية؛ فإن هذه التصرفات من أيهما توجد، وتتوقف. فإن حصل الحكم له نفذ، وإلا فلا ينفذ؛ لأن هذه التصرفات تتعلق بالإخطار، والإقرار يتوقف على التفسير.