وإن نكل المقر له عن اليمين، حلف المدعي، وأخذ العين، ورد القيمة إلى المقر؟ لأن القيمة أخذت منه؛ لإيقاع الحيلولة بين المدعي، وبين العين، وقد ارتفعت الحيلولة بوصول العين إليه.
وأما إذا كذبه المقر له، وقال: ليست الدار لي- اختلف أصحابنا فيه:
قال ابن سريج- وهو الأصح-: يأخذها الحاكم، ويحفظها إلى أن يظهر مالكها؛ كالمال الضائع؛ لأن من في يده يفي ملكه عنها بالإقرار لمن يصح له الإقرار.
والمقر له أسقط إقراره بالتكذيب، ولا حجة للمدعي على دعواه فلم يبق إلا أن يحفظها الحاكم؛ كالمال الضال. وقال أبو إسحاق: يسلم إلى المدعي؛ لأن ليس هاهنا من يدعيها غيره، وهذا ضعيف؟ لأنه حكم له بمجرد الدعوى وقيل هاهنا: يترك في يد المدعي عليه، كما ذكرنا فيما لو أقر لمجهول؛ وليس بصحيح.
فأما إذا أقر المدعي عليه لغائب، فلا تسقط دعوى المدعي عنه بهذا الإقرار؛ لأن العين في يده. ثم لا يخلو: إما إن كان للمدعي بينة، أو لم يكن: فإن لم يكن له بينة، له أن يحلف المدعي عليه؛ أنه لا يلزمه تسليم العين إليه، وإن نكل حلف المدعي وأخذ، وكتب في السجل؛ أنه أخذه بيمينه بعد إقرار المدعي عليه لفلان ونكوله. وإن أقام المدعي بينة، أخذ العين. وهل يحتاج أن يحلف مع البينة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحتاج؛ لأنا حكمنا بإقرار المدعي عليه؛ أنها ملك للغائب، والقضاء على الغائب بالبينة يكون مع اليمين.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق: لا يحتاج إلى اليمين؛ لأنه قضى على الحاضر؛ وهو المدعي عليه؛ فصار كما لو أقر به لحاضر، وأقام المدعي بينة أخذها بلا يمين.
وإذا أخذها المدعي، كتب في السجل: أنه أخذها ببينته بعد ما أقر المدعي عليه لفلان؛ حتى إذا رجع المقر له وادعاها، وأقام البينة، قضي له؛ لأن له يداً وبينة، وإن لم يقم بينة أقرت في يد المدعي. فإن سأل المدعي الحاكم أن يزيد في السجل: أن فلاناً الغائب قدم، ولم يأت ببينة- فعل فلو أراد المدعي عليه إقامة البينة؛ أنها للغائب- هل تسمع؟
فالمنصوص: أنها لا تسمع؛ لأنه ليس بمالك للعين بزعمه، ولا وكيل من جهة المالك.
وحكى أبو إسحاق عن بعض أصحابنا: أن المدعي عليه إن كان يدعي أنها في يده بإجارة، أو رهن تسمع بينته؛ لأنه يدعي لنفسه حقاً فيها على المالك؛ فتسمع البينة ليثبت الملك للغائب، ثم يحكم له بالإجارة، والرهن.
وإن كان يدعي، أنها في يده بعارية أو وديعة- لا تسمع بينته؛ لأنه لا يدعي لنفسه حقاً،