تمتاز الشريعة الإسلامية بقلة التكاليف؛ حيث سلكت طريقاً وسطاً لا مشقة فيه بكثرة التكاليف ولا إرهاق؛ ويؤيد هذا أن السلف كانوا يكرهون السؤال عن النوازل قبل حدوثها، وكانوا يكرهون الاستفتاء في المسائل المقدرة.
قال - صلى الله عليه وسلم - للأقرع بن حابس- حين سأل عن الحج أفي كل عام يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو قلت: نعم، لوجبت. ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم".
وقال - صلى الله عليه وسلم:"إن الله فرض فرائض، فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء؛ رحمة بكم، غير نسيان، فلا تبحثوا عنها".
٣ - التدرُّجُ في التَّشْرِيعِ:
من حسن تدبير الشرع وحكمته، أنه أخذ الناس في تقرير أحكامه على مهل، وعرض لهم أوامره قضية بعد قضية، متدرجاً بهم بما يلائم طباعهم وعاداتهم.
لقد جاء الشرع الحنيف، والعرب يرزحون تحت وطأة شهواتهم التي تمكنت من نفوسهم، ووقعوا تحت تأثير غرائز كثيرة، لا يستطيعون الفكاك منها دفعة واحدة؛ فاقتضت الحكمة الإلهية ألاَّ يفاجَؤُوا بالأحكام جملة؛ فتثقل كواهلهم، وتنفر منها نفوسهم؛ فلذلك نزل القرآن منجماً، ووردت التكاليف متدرجة؛ لإعداد النفوس وتهيئتها لقبول كل هذه