التكاليف والأحكام. ومن ذلك أمر تحريم الخمر التي تمكنت من نفوس العرب إلى حدٍ بعيد؛ الأمر الذي جعل الحكمة الإلهية تتدرج في تشريع الأحكام التي تحرمها، فقال سبحانه في أول الأمر: {قُلْ: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩].
ثم تدرج خطوة أخرى حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣].
ثم صرح بالنهي: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠].
هل لا بُدّ لكل تَشْريعٍ من حِكْمَةٍ؟
نعم، لا بد لكل تشريع من حكمة، تُطمئن القلوب حنى تمتثله وتقبل عليه، وهذه الحكمة قد تكون واضحة ظاهرة؛ كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- في الهرة: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" وقد تكون الحكمة خفية يعجز البشر عن إدراكها، ولس ذلك مبرراً لترك العمل بما خفي فيه موضع الحكمة، وقصر عنه إدراكه؛ فذلك تشريع الحكيم الخبير.
فوائد حكمة التشربع:
١ - الإرشاد إلى استنباط الأحكام التي تقتضيها مصالح الناس، فحيثما وجدت المصلحة، وُجِدَ حكم الله.
٢ - الإثارة الى أن الشارع ينبغي له أن يبين لهم ما في تشريعه من مصالحهم، وجلب النفع لهم، ودفع الضرر عنهم.
يقول تعالى في الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣].
وفي الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: ٢٨].
وفي القتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩].
وفي الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥].
ولما كان التشريع الإسلامي مبنياً على جلب المصالح ودفع المفاسد، فإنه لم يضع إلا قواعد عامة وأموراً كلية، يدور عليها نظام الحياة في كل زمان ومكان، تاركاً التفصيلات الجزئية المختلفة يستنبطها المجتهدون والعلماء في ظل القواعد الكلية المقررة.