للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا كُفْرٌ مَعْقُولٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى أَثَرٍ وَلَا خَبَرٍ، كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَنَّ مُلْكَ اللهِ وَسُلْطَانَهُ، وَقُدْرَتَهُ، وَعِلْمَهُ، وَمَشِيئَتَهُ، وَإِرَادَتَهُ، وَوَجْهَهُ، وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَيْهِ، أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا مَخْلُوقٌ.

قِيلَ لَهُ: كَفَرْتَ وَكَذَبْتَ، بَلْ كُلُّهَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

فَإِنْ طَلَبْتَ مِنَّا فِي شَيْء مِنْها أَثَرًا مَنْصُوصًا بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ مُرِيبٌ كَافِرٌ، وَمَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ حَتَّى يَطْلُبَ فِيهَا الآثَارَ؟! وَكَذَلِكَ كَلَامُ الله مِثْلُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ سَوَاءً، غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَا يَشْتَبه إِلَّا على مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا عَقْلَ.

وَأُخْرَى: أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ مُحْدَثٍ لَا شَكَّ فِيهِ، فَاللهُ بِزَعْمِكُمْ كَانَ بِلَا كَلَامٍ، حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ كَلَامًا، ثُمَّ انْتَحَلَهُ اضْطِرَارًا إِلَى كَلَامِ غَيْرِهِ، فَتَمَّتْ بِهِ رُبُوبِيَّتُهُ، وَوَحْدَانِيَّتُهُ، وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِزَعْمِكُمْ. فَمَنْ يَحْتَاجُ فِي مِثْلِ هَذَا المَعْقُول إِلَى أَثَرٍ؟!

وَأُخْرَى: أَنَّ الكَلَامَ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ شَيْئًا يُرَى ويُحَسُّ إِلَّا بِلِسَانِ مُتَكَّلِمٍ بِهِ، فَالكَلَامُ مِنَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ صِفَتُهُمَا، فَالخَالِقُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَالمَخْلُوقُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ مَخْلُوقٌ، وَلَا شَكَّ فِيهِ.

فَلْينْظُر هَذَا الشَّاكُّ فِي القُرْآنِ، فَإِنْ كَان اللهُ المُتَكَلِّم بِهِ عِنْدَهُ، فَلَا يَشُكَّنَّ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَخْلُوقٍ مِنَ الكَلَامِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ إِلَى شَيْء مَخْلُوق قَطُّ مِنَ الكَلَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَة.

وَإِن ابْتَدَعَهُ مَخْلُوقٌ أَضَافَهُ إِلَى الله تَعَالَى. فَلَا يَشُكَّنَّ هَذَا الشَّاكُّ فِي صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ وَكَلَامِهِمْ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ كُلَّهَا، وَأَنَّ مُبْتَدِعَهَا وَالمُتَكَلِّمَ بِهَا مِنَ المَخْلُوقِينَ كَافِرٌ إِذْ يَقُولُ: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠)} [القصص: ٣٠]، {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، و {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: ١٢].

<<  <   >  >>