للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَائِلُ هَذَا القَوْلِ غَيْرَ الله كَافِرٌ، مِثْلُ فِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤]، و {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨].

وَادَّعَيْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ أَنَّ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ هُوَ الله؛ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ غَيْرُ الله؛ فَقَدْ أَصَابَ، [٣٧/و] وَمَنْ قَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ فَقَدْ جَهِلَ وَكَفَرَ.

فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ: لَمْ تَدَعْ مِنْ صَرِيحِ المَخْلُوقِ شَيْئًا، إِذْ زَعَمْتَ أَنَّ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ غَيْرُ الله فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ قَالَ: غير مَخْلُوق فقد جَهِلَ.

لَمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ غَيْرُ الله، فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَهُّ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ

غَيْرَ اللهِ مَخْلُوقٌ لَا شَكَّ فِيهِ.

وَلَا يُقَالُ أَيُّهَا المُعَارِضُ: إِنَّ القُرْآنَ هُوَ اللهُ فَيَسْتَحِيل، وَلَا هُوَ غَيْرُ الله فَيُلْزِمَ القَائِلَ به أَنَّهُ مَخْلُوق، وَلَكِن يُقَال: كلَامًا للهِ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ، وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاته، وَأَنَّ اللهَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلَهٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لَا شَكَّ فِيهِ.

فَافْهَمْ وَمَا أَرَاكَ تَفْهَمُهُ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ الله، أَوْ غَيْرُ الله.

فَإِنْ قَالَ: رَجُلٌ: هُوَ الله، أَكْفَرْتَهُ. وَإِنْ قَالَ: غَيْرُ الله قُلْتَ لَهُ: أَقْرَرْتَ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَصَوَّبْتَ مَذْهَبِي؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ اللهِ مَخْلُوقٌ.

فَيُقَالُ لَكَ: أَخْطَأْتَ الطَّرِيقَ، وَغَلِطْتَ فِي التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: القُرْآنُ هُوَ الله أَوْ غَيْرُ الله، كَمَا لَا يُقَالُ: عِلْمُ الله هُوَ الله، وَقُدْرَةُ الله هِيَ الله، وَكَذَلِكَ عِزَّتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَقُدْرَتُهُ، لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْهَا: هُوَ الله بِعَيْنِهِ وَكَمَالِهِ، وَلَا غَيْرُ الله، وَلَكِنَّهَا صِفَاتٌ مِنْ صِفَاتِهِ، غَيْرُ مَخْلُوق وَكَذَلِكَ الكَلَامُ، فَافْهَمْ.

وَادَّعَى المُعَارِضُ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ عُلَمَائِهِ وَزُعَمَائِهِ قَالَ: إِن كَلَامَ اللهِ

مُضَافٌ إِلَيْهِ كَمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ رُوحُ اللهِ، وَبَيْتُ الله، وَهَذَا مِنْ قَدِيمِ حُجَجِ

<<  <   >  >>