للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَكُلَّمَا وَافَقَ مِنْ ذَلِك رَأْيَكَ -وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا- صَارَ عِنْدَكَ فِي حَدِّ القَبُولِ، وَمَا خَالَفَ رَأْيَكَ مِنْهَا صَارَ مَتْرُوكًا عِنْدَكَ، وَإِنْ كَانَ عنْد الفُقَهَاء في حَدِّ القَبُولِ.

هَذَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وجَوْرٌ جَسِيمٌ.

وَادَّعَيْتَ أَيْضًا فِي دَفْعِ آثَارِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ضُحْكَةً لَمْ يَسْبِقْكَ إِلَى مِثْلِهَا عَاقِلٌ مِنَ الأُمَّةِ، وَلَا جَاهِلٌ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا تَقُومُ الحُجَّةُ مِنَ الآثَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلا كُلَّ حَدِيثٍ لَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ كَذِبٌ لَطُلِّقَت امْرَأَتُهُ (١).

ثُمَّ قُلْتَ: وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِهَذِهِ اليَمِينِ عَلَى حَدِيثٍ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صَحِيحٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَذِبٌ مَا طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ.

فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ النَّاقِضُ عَلَى نَفْسِهِ: قَدْ أَبْطَلْتَ بِدَعْوَاكَ هَذِهِ جَمِيعَ الآثَارِ الَّتِي تُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مَا احْتَجَجْتَ مِنْهَا لِضَلَالَتِكَ وَمَا لم تَحْتَجَّ، وَلَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يُلْتَفَتُ إِلَى تَأْوِيلِهِ، لَقَدْ سَنَنْتَ لِلنَّاسِ سُنَّةً، وَحَدَدْتَ لَهُمْ فِي الأَخْبَارِ حَدًّا لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِثْلَهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمِينَ قَبْلَكَ، وَلَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُخْتَارٍ مِنَ الأَئِمَّةِ فِي دَعْوَاكَ أَلَّا يَخْتَارَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى يَبْدَأَ بِاليَمِينِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَيَحْلِفَ أنَّ هَذَا الحَدِيثَ صِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ البَتَّةَ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا طُلِّقَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ اسْتَعْمَلَهُ، وَإِنْ لَمْ تُطَلَّقْ تَرَكَهُ.

وَيْلَكَ! إِنَّ العُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَخْتَارُونَ هَذِه الآثَار وَيَسْتَعْمِلُونَهَا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَصَحِّهَا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَه البَتَّةَ، وَعَلَى أَضْعَفِهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقُلْهُ البَتَّةَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْلُونَ الجَهْدَ فِي الأَخْبَارِ الأَحْفَظِ منها، والأَمْثَل فَالْأَمْثَل مِنْ رُوَاتِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ


(١) في الأصل «لَمْ تُطَلَّقِ امْرَأَتُهُ». وكتب في الحاشية «صوابه طلقت امرأته».

<<  <   >  >>