للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَشَنَعِهَا عِنْدَكَ، كَانَ أَوْلَى بِكَ مِنْ أَنْ تَسْتَنْكِرَهَا وَتُكَذِّبَ بِهَا، ثُمَّ تُفَسِّرُهَا ثَانِيَةً كَالمُثْبِتِ لَهَا عَلَى وُجُوهٍ وَمَعَانٍ مِنَ المُحَالِ وَالضَّلَالِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْكَ إِلَى مِثْلِهَا أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ.

فَادَّعَيْتَ أَنَّ مِنْ تِلْكَ المُنْكَرَاتِ؛ مَا رَوَى أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ

عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «خَلَقَ الله المَلَائِكَةَ مِنْ نُورِ الذِّرَاعَيْنِ وَالصَّدْرِ، قُلْتَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ شعر الذراعين، والصدر» (١).

فيُقال لِهَذَا المُعَارِضِ: إِذَا كَانَ هَذَا الحَدِيثُ عِنْدَكَ مِنَ المُنْكَرَاتِ الَّتِي تَتْرُكُ مِنْ أَجْلِهِ جُلَّ الرِّوَايَاتِ، فلِم فَسَّرْتَهُ كَأَنَّكَ تُثْبِتُهُ؟

فَقُلْتَ: تَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا مُحْتَمَلٌ عَلَى مَا يُقَالُ فِي أَسْمَاءِ النُّجُومِ الَّذِي يُسَمَّى مِنْهَا الذِّرَاعُ وَالجَبْهَةُ.

وَيْحَكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ! اسْتَنْكَرْتَ الحَدِيثَ، وَتَفْسِيرُكَ أَنْكَرُ مِنْهُ!!

أَخَلَقَ الله المَلَائِكَةَ مِنْ نُورِ النُّجُومِ، وَشُعُورِهَا الَّتِي يُسمى الذِّرَاع وَالجَبْهَة، أَمْ لِلنُّجُومِ شُعُورٌ فَيُخْلَقُ مِنْهَا المَلَائِكَةُ؟ لَقَدْ أَغْرَبْتَ بِهَذَا التَّفْسِير عَلَى جَمِيعِ


(١) صحيح إلى عبد الله بن عمرو، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (١٠٨٤) من طريق أبي أسامة، وابن منده في الرد على الجهمية (٣٣)، من طريق ابن إسحاق، وفي (٣٤)، من طريق أبي خالد الأحمر، ثلاثتهم عن هشام، به.
قلت: قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة عقب حديث (٤٥٨): «وعن عبد الله بن عمرو قال: خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر. قلت: فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -». اهـ
قلت: وقد يكون سمعه ابن عمرو من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو افترضنا أنه من الإسرائيليات، وكان فيه ما يُسْتَنْكَر، فهل الظن في مثل عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن يرويه دون أن يبين ما فيه من نكارة، وهل رواه وأذاعه إلا وهو يعلم أنه ثابت؟!

<<  <   >  >>