للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المُفَسِّرِينَ، وَأَنْدَرْتَ، وَكِدْتَ أَنْ تَقْلِبَ العَرَبِيَّةَ ظَهْرَهَا لِبَطْنِهَا إِنْ جَازَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ المُسْتَحِيلَاتُ: أَنَّ الله خَلَقَ المَلَائِكَةَ مِنْ شُعُورِ النُّجُومِ الَّذي تُسَمِّي ذِرَاعًا.

وَاحْتَجَجْتَ فِي رَدِّ آثَارِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَرَاهِيَةِ طَلَبِهَا، وَالِاشْتِغَالِ بِجَمْعِهَا، بِحِكَايَةٍ حَكَيْتَهَا عَنْ سُفْيَانَ [٤٥/ظ] الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ عِدَدِ المَوْتِ».

وَبِقَوْلِ شُعْبَةَ: «إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ يَصُدُّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَن الصَّلَاة،

فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟»، وَبِقَوْلِ ابْنِ المُبَارَكِ: «اللهمَّ اغْفِرْ لِي رِحْلَتِي فِي الحَدِيثِ».

فَتَوَهَّمْتَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا طَعْنٌ فِي الآثَارِ وَكَرَاهِيَةٌ مِنْهُم لجمعها وَاسْتِعْمَالِهَا، وَقَدْ أَخْطَأْتَ الطَّرِيقَ وَغَلِطْتَ فِي التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الحِكَايَاتِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ الآثَارَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا طَلَبَهُ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ، وَلَكِنْ خَافُوا أَنْ يَكُونَ قَدْ خَالَطَ ذَلِكَ بَعْضُ الرِّيَاءِ وَالعُجْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ بِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ فِيهِ، أَوْ أَنَّهُمْ إِذَا جَمَعُوهَا وَكَتَبُوهَا لَمْ يَقُومُوا بِالعَمَلِ بِهَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَيَصِيرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا أَزْرَوْا فِيمَا حَكَيْتَ عَنْهُمْ بِأَنْفِسِهِمْ لَا بِالعِلْمِ وَالأَحَادِيثِ، كَمَا تَفْعُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ.

وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُمْ مِنْ سَيِّئِ الأَعْمَالِ -كَمَا ادَّعيت عَلَيْهِمْ- مَا صَنَّفُوهَا وَنَقَلُوهَا إِلَى الأَنَامِ، وَلَا دَعَوْهُمْ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا وَالأَخْذِ بِهَا، فَيُشْرِكُوهُمْ فِي إِثْم مَا وَقَعُوا فِيهِ، وَمَنْ يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَّا جَاهِلٌ مِثْلُكَ بَعْدَ الَّذِي رَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «حدِّثوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ» (١)، وَقَالَ: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَبَلَّغَهَا غَيْرَهُ» (٢)، وَقَوْلَهُ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُم الغَائِب» (٣)،


(١) أخرجه مسلم (٣٠٠٤)، وغيره، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٣٦)، وأحمد (١٣٣٥٠)، وغيرهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - بسند صحيح.
(٣) متفق عليه، أخرجه البخاري (٢٠٥)، ومسلم (١٦٧٩)، وغيرهما من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>