ثُمَّ عَادَ المُعَارِضُ أَيْضًا إِلَى إِنْكَارِ مَا عَنَى الله تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]، فَادَّعَى: أَنَّ المَجِيءَ وَالِانْتِقَالَ مِنْ مَكَان إِلَى مَكَانِ؛ صِفَةُ المَخْلُوقِ، وَالله يَأْتِي فِي ظُلُلٍ مِنَ الغَمِامِ، فَتَثْبُتُ الظُّلَلُ وَمَجِيئُهَا؛ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ.
فَقَالَ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠] يَعْنِي: يَأْتِيهِمْ أَمْرُهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ عَلَى إِضْمَارِ «أَمْرِهِ» كَمَا [٤٨/و] قَالَ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] يُرِيدُ: أَهْلَ العِيرِ بِإِضْمَارِ «الأَهْلِ»، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}، بِإِضْمَارِ «أَمْرِهِ»، وَكَذَلِكَ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} يُرِيدُ أَنَّ المَلَائِكَةَ هِيَ الصُّفُوفُ دونه جَايِئُونَ بأَمْرِهِ، فَفَسَّرُوا: «جَاءَ المَلَائِكَةُ صَفًّا صَفًّا، وَرَبُّكَ فِيهِمْ مُدَبِّرٌ مُحْكِمٌ»، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النحل: ٣٣]، وَقَالَ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: ١٥٨]، فَبَيَّن الأَمْرَ هَا هُنَا، وَأَضْمَرَهُ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ.
فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ المُفْتَرِي عَلَى اللهِ: قَدْ فَسَّرْتَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى خِلَافِ مَا عَنَى وَفَسَّرَهَا رَسُولُه - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَى خِلَافِ مَا فَسَّرَهَا أَصْحَابُهُ.
قَدْ رَوَيْنَا تَفْسِيرَهَا عَنْهُمْ فِي صَدْرِ هذَا الكتاب بِأَسَانِيدِهَا المَعْرُوفَةِ المَشْهُورَةِ، عَلَى خِلَافِ مَا فَسَّرْتَ وادَّعَيْتَ عَنْ هَؤُلَاءِ المُفَسِّرِينَ، فَمَنْ مُفَسِّرُوكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَحْكِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهَا كَذَا، وَقَالَ آخَرُونَ فِيهَا كَذَا؟.
فَمَنْ هَؤُلَاءِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ؟ فَاكْشِفْ عَنْ رُؤُوسِهِم وسَمِّهم
بِأَسْمَائِهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَكْشِفُ إِلَّا عَنْ زِنْدِيقٍ أَوْ جَهْمِيٍّ، لَا يُؤْمِنُ بِالله وَلَا بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَلَا يُحْكَمُ لَكَ بِتَفْسِيرِ هَؤُلَاءِ المُعَنْعِنِينَ عَلَى تَفْسِيرِ هَؤُلَاءِ المَكْشُوفِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute