رَبَّهُ بِرُؤْيَةِ جِبْرِيلَ عِلْمًا بِقَلْبِهِ بإدرَاكِهِ جِبْرِيل عيَانًا، فَهَذَا تَفْسِيرُ أَنَّهُ رَأَى مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ الصُّورَةُ الَّتِي شَاهَدَ بِبَصَرِهِ، وَكَانَتْ الصُّورَةُ صُورَةُ جِبْرِيلَ.
فَقُلْنَا لِهَذَا المُعَارِضِ المُنَاقِضِ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ فِي صَدْرِ كِتَابِكَ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ؟ ثُمَّ تَدَّعِي هَاهُنَا أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ فَسَّرُوهُ أَنَّهُ صُورَةُ جِبْرِيلَ، وَأَيُّ صَاحِبِ عِلْمٍ يُفَسِّرُ أَحَادِيثَ الزَّنَادِقَةِ، يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهَا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ إلَّا إِنَّ يَكُونَ زُعَمَاؤُكَ هَؤُلَاءِ المُعَطِّلُونَ؟ وَكَيْفَ تُثْبِتُ الشَّهَادَةَ عَلَى حَدِيثِ الزَّنَادِقَةِ أَن هَذَا تَفْسِيره؟ أَو لَيْسَ قد أَنْبَأْنَاكَ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أنَّى أَرَاهُ»، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى ربَّه؛ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الفِرْيَةَ؛ لِأَنَّ الله قَالَ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]».
غَيْرَ أَنَّكَ فَسَّرْتَهُ تَفْسِيرًا شَهِدْتَ فِيهِ بِالكُفْرِ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إِذْ ادَّعَيْتَ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُ رَبُّهُ، وَأَنَّهُ قَالَ لِصُورَةٍ مَخْلُوقَةٍ شَاهَدَهَا بِبَصَرِهِ أَنَّهُ رَبُّهُ، فَتَفَكَّرْ أَيُّهَا المُعَارِضُ فِيمَا يَجْلِبُ عَلَيْكَ تَأْوِيلُكَ هَذَا مِنَ الفَضَائِحِ، حِينَ تَدَّعِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَعْرِفْ جِبْرِيلَ مِنَ اللهِ، حَتَّى يَرَى صُورَةَ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ شَابٍّ جَعْدٍ، فَيَدَّعِيَ أَنَّهُ رَبُّهُ بِزَعْمِكَ.
لَوْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ أَبْكَمَ كَانَ خَيْرًا لَكَ مِنْ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِهَذَا، وَمَا أَشْبَهَهُ! أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ: إِنَّ أَهْلَ العِلْمِ قَالُوا: إِنَّ هَذَا صُورَةُ جِبْرِيلَ، فَمِنْ أَيِّ أَهْلِ العِلْمِ سَمِعْتَ هَذَا التَّفْسِيرَ؟ فَأَسْنِدْهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْنِدُهُ إِلَّا إِلَى مَنْ هُوَ أَجْهَلُ مِنْكَ.
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ إِنَّمَا تُغَالِطُ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لِتَدْفَعَ بِهَا قَوْلَ الله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وَقَوْلُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: [٦٠/ظ] «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ»، فَتُوهِمَ النَّاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute