أَنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الَّتِي تَسْتَنْكِرُهَا، وَتَلْتَمِسُ لَهَا هَذِهِ العَمَايَاتِ كَالَّتِي يَرْوُونَ فِي الرُّؤْيَةِ وَالنُّزُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَأَنَّهُ لَا تُدْفَعُ تِلْكَ بِمِثْلِ هَذَا التَّفْسِيرِ المَقْلُوبِ، لِمَا أَنَّهَا قَدْ ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَسَانِيدَ كَالصُّخُورِ، فَلَا يُدْفَعُ إِلَّا بِأَثَرٍ مِثْلِهِ مَأْثُورٍ، فَارْبَحِ العَنَاءَ! فَقَدْ عَلِمْنَا حَوْلَ مَاذَا تَدُورُ، وَلَنْ تَغُرَّ بِمِثْلِهَا إِلَّا كُلَّ مَغْرُورٍ.
وَاحْتَجَّ المُعَارِضُ أَيْضًا فِي إِنْكَار الرُّؤْيَة بِحَدِيث رَوَاهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ ضَرَبَ العُزَّى بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ: «كُفْرَانَكَ، لَا سُبْحَانَكَ، إِنِّي رَأَيْتُ الله قَدْ أَهَانَك» (١).
قَالَ المُعَارِضُ: فَهَذِهِ رَؤْيَةُ عِلْمٍ لَا رُؤْيَةُ بَصَرٍ. قَالَ: يَعْنِي أَنَّ المُؤْمِنِينَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا كَنَحْوِ مَا رَأَى خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فِي دُنْيَاهُ.
قَالَ المُعَارِضُ: وفسَّر قَوْمٌ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لِلشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ عَلَى العِلْمِ، كَمَا يُقال: رَأَيْتُ الخَلَّ شَدِيدَ الحُمُوضَةِ، وَرَأَيْتُ العُودَ طَيِّبًا، يُرِيدُ رَائِحَتَهُ كَمَا قَالَ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)} [الفيل: ١]، وَلَمْ يَرَهُ إِلَّا بِالمَعْرِفَةِ. وَكُلُّ شَيْءٍ يُدْرَكُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَهُ قِلَّةٌ وَكَثْرَةٌ.
فَاللهُ المُتَعَالِي عَنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا يُرَى بِدَلَائِلِهِ وَآثَارِ صُنْعِهِ، فَهِيَ شَوَاهِده لَا الَّذِي يُعْرَفُ بِمُلَاقَاةٍ وَلَا بِمُشَاهَدَةِ حَاسَّةٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ ذَهَبَتِ الشُّكُوكُ وَعَرَفُوهُ عَيَانًا، لَا بِإِدْرَاكِ بَصَرٍ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِن كَانَ الرِّوَايَات فَهَاهُنَا رِوَايَاتٌ أَيْضًا مُعَارِضَةٌ، وَإِنْ كَانَ يحْتَمل التَّأْوِيل فهاهنا مَا يَحْتَمِلُ أَيْضًا.
فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ: أَمَّا الرِّوَايَاتُ فَمَا نَرَاكَ تَحْتَجُّ فِي جَمِيعِ مَا تَدَّعِي إِلَّا بِكُلِّ أَعْرَجَ مَكْسُورٍ، بِالتَّجَهُّمِ مَشْهُورٌ، وَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَغْمُورٌ.
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٦٩٣٩)، والطبراني (٣٨١١)، وعنه أبو نعيم في المعرفة (٢/ ٩٢٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute