للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا المَعْقُولُ الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ كَلَامِكَ؛ فَقَدْ أَنْبَأْنَاكَ أَنَّهُ عِنْدَ العَرَبِ مَجْهُولٌ، وَعِنْدَ العُلَمَاءِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، لَا يَخْفَى تَنَاقُضُهُ إِلَّا عَلَى كُلِّ جَهُولٍ.

وَأَمَّا مَا احْتَجَجْتَ بِهِ مِنْ قَوْلِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ فَمَعْقُولٌ بِأَنَّ الله لمَّا قَالَ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]، ورَوَىَ أبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنه قَالَ: «نورأنَّى أَرَاهُ»، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا» آمَنَّا بِمَا قَالَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا قَالَ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)} [الفيل: ١]؛ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُدْرِكْهُ، وَلَمْ يَرَهُ لِمَا أَنَّهُ وُلِدَ عَامَ الفِيلِ، فَاسْتَيْقَنَّا عِلْمًا يَقِينًا أَنَّ هَذِهِ رُؤْيَةُ عِلْمٍ، لَا رُؤْيَة بصر، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: ٤٥]؛ فَاسْتَيْقَنَّا بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَمْ يرَ رَبَّهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرُؤْيَةِ اللهِ عَيَانًا، وَأَنَّهُ رُؤْيَةُ الفِعْلِ مَدُودِ الظِّلِّ الَّذِي يَرَاهُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ خَالِدِ بْنِ الوَلَيد: «إِنِّي رَأَيْتُ اللهَ قَدْ أَهَانَكَ» لِاجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ مِنَ الله وَرَسُولِهِ، وَمِنْ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ [٦١/و] أَنَّ أَبْصَارَ أَهْلِ الدُّنْيَا لَا تُدْرِكُهُ فِي الدُّنْيَا.

فَحِينَ حدَّ اللهُ لِرُؤْيَتِهِ حدًّا فِي الآخِرَة بِقَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] عَلِمْنَا أَنَّهَا رُؤْيَةُ عَيَانٍ، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَأَلَهُ أَبُو ذَرٍّ هَلْ رَأْيتَ رَبك؟ فَقَالَ: «نور أنى أَرَاهُ؟» فَلَمَّا سَأَلَهُ أَصْحَابُهُ: «أَنَرَاهُ فِي الآخِرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَرُؤْيَةِ الشَّمْس، وَالقَمَر لَيْلَة البَدْر».

وأمَّا تَفْسِيرُكَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، رُؤْيَةُ آيَاتِهِ وَدَلَائِلِهِ [لَا إِدْرَاكُ بَصَرٍ] (١)، فَإِذَا رَأَوْا آيَاتِهِ ذَهَبت الشُّكُوكُ عَنْهُمْ، فَهَذِهِ أَفْحَشُ كَلِمَةٍ ادَّعَيْتَهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ مَاتُوا شُكَّاكًا لَمْ يَعْرِفُوا رَبَّهُمْ حَتَّى يَرَوْا آيَاتِهِ


(١) ما بين المعقوفين ليس في الأصل، وأثبتته من «س».

<<  <   >  >>