يَوْمَ القِيَامَةِ فَبِهَا تَذْهَبُ الشُّكُوكُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ.
وَيْحَكَ! أمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ وَفِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَكٌّ مِنْ خَالِقِهِ إِلَّا مَاتَ كَافِرًا؟ وَكَيْفَ تَعْتَرِي المُؤْمِنِينَ يَوْمَئذٍ الشُّكُوكُ، وَالكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ بِرُبُوبِيَّتِهِ مُوقِنُونَ لَا تَعْتَرِيهِمْ شُكُوكٌ؟ فَإِنْ كَانَتِ الشُّكُوكُ يَوْمَئِذٍ تَنْزَاحُ عَنِ المُؤْمِنِينَ بِمَا تَصِفُ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالعَلَامَاتِ، مِنْ غَيْرِ إِدْرَاكِ بَصَرٍ؛ فَكَذَلِك الكفَّار كُلُّهُم قد رَأَوْا يَوْمئِذٍ آيَاتِهِ وعَلَامَاتِهِ مِنْ غَيْرِ إِدْرَاكِ بَصَرٍ، فَانْزَاحَتْ عَنْهُمُ الشُّكُوكُ، فَصَارُوا كَالمُؤْمِنِينَ فِي دَعْوَاكَ، فَمَا فَضْلُ بُشْرَى اللهِ وَرَسُولِهِ المُؤمنِينَ عَلَى الكُفَّارِ الَّذِينَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥]؟
وَيْحَكَ! لَلْغِنَاءُ وَالعَزْفُ أَحْسَنُ مِمَّا تَدَّعِي عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا تَقْذِفُ بِهِ المُؤْمِنِينَ؛ أَنَّ الشُّكُوكَ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى لَا تَذْهَبُ عَنْهُمْ إِلَّا فِي الآخِرَةِ، يَوْمَ يَرَوْنَ آيَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ.
فَأَمَّا مَا احْتَجَجْتَ بِهِ مِنْ قَوْلِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ حِينَ قَالَ: «رَأَيْتُ الله قَدْ أَهَانَكَ» فَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ فِيمَا أَنْتَ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ وَلَمْ يُدْرِكْ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِدْرَاكُهُ، فَأَمَّا مَا يُرْجَى إِدْرَاكُهُ بِبَصَرٍ فَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا المَجَازِ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ مِنْ كِتَابٍ مَسْطُورٍ، أَوْ أَثَرٍ مَأْثُورٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ مَشْهُورٍ.
وَقَوْلُ خَالِدٍ عِنْدَنَا مَعْنَاهُ كَمَعْنَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لعمر - رضي الله عنهما - يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يمتْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ تَسْمَعِ اللهَ يَقُولُ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} [الزمر: ٣٠]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤)} [الأنبياء: ٣٤]، إِنَّمَا عَنَى أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ فِي كِتَابِهِ لِمَا أَنَّ العِلْمَ مِنْ جَمِيعِ العُلَمَاءِ قَدْ أَحَاطَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ اللهِ بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدم غَيْرُ مُوسَى، فَحِينَ أَحَاطَ العِلْمُ بِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَنَى قَوْلَهُ، لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute