وَادَّعَى المُعَارِضُ أَيْضًا: أَنَّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّ لله عَيْنًا، يُرِيدُونَ جَارِحًا [٦١/ظ] كَجَارِحِ العَيْنِ مِنَ الإِنْسَانِ، وَأَرَادُوا التَّرْكِيبَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩]، {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: ٣٧]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨].
قَالَ المُعَارِضُ: وَالمَعْقُولُ بَيِّنٌ أَنَّ هَذَا يُرِيدُ عَيْنَ القَوْمِ، يَعْنِي رَئِيسَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ وَلَا يُرِيدُ جَارِحًا، وَلَكِنْ يُرِيدُ الَّذِي يَجُوزُ فِي الكَلَامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} يَقُولُ: «فِي كَلَاءَتِنَا وَحِفْظِنَا» أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ القَائِلِ: عَيْنُ اللهِ عَلَيْكَ، يَقُولُ: أَنْتَ فِي حِفْظِ اللهِ وكَلَاءَتِهِ.
فيُقال لِهَذَا المُعَارِضِ: أَمَّا مَا ادَّعَيْتَ أَنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ للهِ عَيْنًا فَإِنَّا نَقُولُهُ؛ لِأَنَّ اللهَ قَالَهُ وَرَسُولَهُ، وَأَمَّا جَارِحٌ كَجَارِحِ العَيْنِ مِنَ الإِنْسَانِ عَلَى التَّرْكِيبِ؛ فَهَذَا كَذِبٌ ادَّعَيْتَهُ عَلَيْنَا عَمْدًا، لِمَا أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُهُ، غَيْرَ أَنَّكَ لَا تَأْلُو مَا شَنَّعْتَ، لِيَكُونَ أَنْجَعَ لِضَلَالَتِكَ فِي قُلْوبِ الجُهَّالِ، وَالكَذِبُ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ، فَمِنْ أَيِّ النَّاسِ سَمِعْتَ أَنَّهُ قَالَ: جَارِحٌ مُرَكَّبٌ؟ فأشِرْ إِلَيْهِ، فَإِنَّ قَائِلَهُ كَافِرٌ، فَكَمْ تُكَرِّرُ قَوْلَكَ: جِسْمٌ مُرَكَّبٌ، وأَعْضَاءٌ وَجَوَارِحُ، وَأَجْزَاءٌ، كَأَنَّكَ تُهَوِّلُ بِهَذَا التَّشْنِيعِ عَلَيْنَا أَنْ نَكُفَّ عَنْ وَصْفِ اللهِ بِمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا وَصَفَهُ الرَّسُولُ.
وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَصِفِ اللهَ بِجِسْمٍ كَأَجْسَامِ المَخْلُوقِينَ، وَلَا بِعُضْوٍ وَلَا بِجَارِحَةٍ؛ لَكِنَّا نَصِفُهُ بِمَا يَغِيظُكَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي أَنْتَ ودُعَاتُك لَهَا مُنْكِرُونَ، فَنَقُولُ: إِنَّهُ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، ذُو الوَجْه الكَرِيم، والسَّمْعِ السَّمِيع، والبَصَرِ البَصِير، نُورُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَكَمَا وَصَفَهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - فِي دُعَائِهِ حِين يَقُول:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute