فَقَدْ أَنْبَأْنَاكَ بِنَاقِضِهَا وَاسْتِحَالَتِهَا، مِمَّا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الكُفْرِ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهَا، فَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُبْصِرُونَ وُجُوهَ الكَلَامِ مِنْ زُعَمَائِكَ؟ أَهُوَ المَرِيسِيُّ المَشْهُور بالتَّجَهُّم؟ فَقَدْ أَنْبَأْنَاكَ عَوْرَةَ كَلامِهِ، وَكَذَلِكَ الثَّلْجِيُّ، وَكَذَلِكَ ضِرَارٌ (١)،
ذَاكَ الزِّنْدِيقُ الَّذِي تَنْتَحِلُ بَعْضَ كَلَامِهِ، وَتُكَنِّي عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ البَصَرِ هَؤُلَاء، وَأَحْسَنُ الكَلَامِ عِنْدَكَ مَا حَكَيْتَ عَنْ هَؤُلَاءِ؛ فَإِلَى اللهِ نَبْرَأُ مِمَّا حَكَيْتَ عَنْهُمْ، لَلْغِنَاءُ وَالنَّوْحُ، وَنُبَاحُ الكِلَابِ أَحْسَنُ مِمَّا حَكَيْتَ عَنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الحِكَايَاتِ الَّتِي لَا تَنْقَاسُ فِي كِتَابٍ، وَلا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ.
أَحَسَدْتَهُمْ أَيُّهَا المُعَارِضُ فِيمَا أَصَابُوا بِهَذِهِ العَمَايَاتِ مِنْ وُجُوه الحَقِّ أم فِيمَا نَالُوا مِنَ المَرَاتِبِ السَّنِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَالثَّنَاءِ الحَسَنِ عَلَى أَلْسُنِ المُؤْمِنِينَ، حَتَّى انْتَحَلْتَ مَذْهَبَهُمْ وَاحْتَجَجْتَ بِكَلَامِهِمْ؛ حَتَّى تَنَالَ بِذِكْرِهِمْ مِنْ شَرَفِ الدُّنْيَا مِثْلَ مَا نَالُوا؟! إِذْ يُدعى أَحَدُهُمْ زِنْدِيقٌ، وَالآخَرُ جَهْمِيٌّ، وَالآخَرُ تُرْسُ الجَهْمِيَّةِ يَعْنُونَ: ابْنَ الثَّلْجِيِّ، وَهَنِيئًا لَكَ مِيرَاثُهُمْ غَيْرَ مَحْسُودٍ وَلَا مَغْبُوطٍ! فَبِأَيِّ مُتَكَلِّمٍ مِنْهُمْ تَسْتَطِيلُ؟ أَبِالَّذِي زَعَمَ أَنَّ كَلَامَ اللهِ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ؟ أَمْ بِالَّذِي قَالَ: أَسْمَاءُ اللهِ مُحْدَثَةٌ مُسْتَعَارَةٌ مَخْلُوقَةٌ؟ أَمْ بِالَّذِي زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ؟ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ فَضَائِحِ مَا حَكَيْتَ عَنْهُم فِي كِتَابِكَ هَذَا كثيرًا.
هَؤُلَاءِ عِنْدَكَ أَهْلُ البَصَرِ بِالكَلَامِ، وَأَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالتَّمْيِيزِ؟ فَقَدْ أَخْبَرْنَاكَ أَنَّ النَّوْحَ وَالغِنَاءَ، وَنُبَاحَ الكِلَابِ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَتَفَاسِيرِهِمْ.
* * *
(١) هوضرار بن عمرو، من رؤوس المعتزلة، شيخ الضرارية. يقال مات في زمان الرشيد ينظر سير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٤٤) ..
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute