عَلَيْهِ بِمَا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَلَمْ نُحِبَّ إِعَادَتَهَا هَاهُنَا لِيَطُولَ بِهِ الكِتَابُ، غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: هِيَ «لَفْظُ اللَّافِظِ» يَعْنِي: أَنَّهُ مِنَ ابْتِدَاعِ المَخْلُوقِينَ بِألفَاظِهِمْ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يَلْفِظُ بِشَيْءٍ -فِي دَعْوَاه-، وَلَكِنْ وَصَفَهُ بِهَا المَخْلُوقُونَ، فَكُلَّمَا حَدَثَ للهِ فِعْلٌ -فِي دَعْوَاهُ- أَعَارَهُ العِبَادُ اسْمَ ذَلِكَ الفِعْلِ، يَعْنِي أَنَّهُ لمَّا خَلَقَ؛ سَمَّوْهُ خَالِقًا، وَحِينَ رَزَقَ؛ سَمَّوْهُ رَازِقًا، وَحِينَ خَلَقَ الخَلْقَ فَمَلَكَهُمْ؛ سَمَّوْهُ مَالِكًا، وَحِينَ فَعَلَ الشَّيْءَ؛ سَمَّوْهُ فَعَّالًا.
وَلِذَلِكَ قَالُوا: مِنْهَا حَدِيثَةٌ وَمِنْهَا قَدِيمَةٌ، فَأَمَّا قَبْلَ الخَلْقِ -فَبِزَعْمِهِمْ- لَمْ يَكُنْ للهِ تَعَالَى اسْمٌ، وَكَانَ كَالشَّيْءِ المَجْهُولِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَلَا يُدْرِى ما هو حتى حَدَثَ الخَلْقُ فَأَحْدَثُوا أَسْمَاءَهُ، وَلَمْ يَعْرِفِ اللهُ -فِي دَعْوَاهُمْ- لِنَفْسِهِ اسْمًا حَتَّى خَلَقَ الخَلْقَ؛ فَأَعَارُوهُ هَذِهِ الأَسْمَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَيَقُولُ: {أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠]، وَ «أَنَا الله الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»، {وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: ١٦٠]، فَنَفَوْا كُلَّ ذَلِكَ عَنِ الله - عز وجل - مَعَ نَفْيِ الكَلَامِ عَنْهُ، حَتَّى ادَّعى جَهْمٌ: أَنَّ رَأْسَ مِحْنَتِهِ نَفْيُ الكَلَامِ عَنِ الله تَعَالَى فَقَالَ: مَتَى نَفَيْنَا عَنْهُ الكَلَامَ، فَقَدْ نَفَيْنَا عَنْهُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ، مِنَ النَّفْسِ وَاليَدَيْنِ، وَالوَجْهِ، وَالسَّمْعِ، وَالبَصَرِ؛ لِأَنَّ الكَلَامَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا لِذِي نَفْسٍ وَوجه وَيَد وَسمع وَبَصَرٍ، وَلَا يَثْبُتُ كَلَامٌ لِمُتَكَلِّمٍ إِلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ. وَكَذَبَ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ فِيمَا نَفَوْا عَنْهُ مِنَ الكَلَامِ، وَصَدَقُوا فِيمَا ادَّعَوْا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الكَلَامُ إِلَّا لمن اجْتَمَعَتْ فِي هَذِهِ الصِّفَاتُ، وَقَدِ اجْتَمَعَتْ فِي اللهِ عَلَى رَغْمِ أَعْدَاءِ اللهِ، وَإِنْ جَزَعُوا مِنْهُ، بِلَا تَكْيِيفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَسْمَائِهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ المُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ المُرْسَلِ، وَوَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ.
وَقَوْلُهُ وَوَصْفُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، -عَلَى رَغْمِ الجَهْمِيَّةِ- غَيْرَ أَنَّ الوَصْفَ مِنَ الله عَلَى لَوْنَيْنِ: أَمَّا مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فَالْوَصْفُ والوَاصِفُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَمَّا مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute